صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ( 9 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " ويبطل الباطل " ، حين تستغيثون ربكم ف " إذ " من صلة " يبطل " . [ ص: 409 ]

ومعنى قوله : ( تستغيثون ربكم ) ، تستجيرون به من عدوكم ، وتدعونه للنصر عليهم " فاستجاب لكم " فأجاب دعاءكم ، بأني ممدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم بعضا ، ويتلو بعضهم بعضا .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الأخبار بذلك :

15734 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عكرمة بن عمار قال ، حدثني سماك الحنفي قال ، سمعت ابن عباس يقول : حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر ، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم ، ونظر إلى أصحابه نيفا على ثلاثمائة ، فاستقبل القبلة ، فجعل يدعو يقول : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ! اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ! " ، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه ، وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوضع رداءه عليه ، ثم التزمه من ورائه ، ثم قال : كفاك يا نبي الله ، بأبي وأمي ، مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ! فأنزل الله : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) . [ ص: 410 ]

15735 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : لما اصطف القوم ، قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره ! ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال : يا رب ، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا !

15736 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم ربنا أنزلت علي الكتاب ، وأمرتني بالقتال ، ووعدتني بالنصر ، ولا تخلف الميعاد ! فأتاه جبريل عليه السلام ، فأنزل الله : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) ،

[ سورة آل عمران : 124 - 125 ] .

15737 - حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع قال : كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول : اللهم انصر هذه العصابة ، فإنك إن لم تفعل لن تعبد في الأرض ! قال : فقال أبو بكر : بعض مناشدتك منجزك ما وعدك . [ ص: 411 ]

15738 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره ، فأنزل الله عليه الملائكة .

15739 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : ( إذ تستغيثون ربكم ) ، قال : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .

15740 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( إذ تستغيثون ربكم ) ، أي : بدعائكم ، حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم " فاستجاب لكم " ، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم معه .

15741 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح قال : لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يناشد ربه أشد النشدة يدعو ، فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، بعض نشدتك ، فوالله ليفين الله لك بما وعدك !

وأما قوله : ( أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ، فقد بينا معناه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 412 ]

15742 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ، يقول : المزيد ، كما تقول : " ائت الرجل فزده كذا وكذا " .

15743 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أحمد بن بشير ، عن هارون بن عنترة [ عن أبيه ] ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( مردفين ) ، قال : متتابعين .

15744 - . . . . قال ، حدثني أبي ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، [ عن أبيه ] ، عن ابن عباس ، مثله .

15745 - حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ، حدثنا محمد بن الصلت قال ، حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ، قال : وراء كل ملك ملك .

15746 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( مردفين ) ، قال : متتابعين .

15747 - . . . . قال ، حدثنا هانئ بن سعيد ، عن حجاج بن أرطأة ، [ ص: 413 ] عن قابوس قال : سمعت أبا ظبيان يقول : ( مردفين ) ، قال : الملائكة ، بعضهم على إثر بعض .

15748 - . . . . قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : ( مردفين ) ، قال : بعضهم على إثر بعض .

15749 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

15750 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( مردفين ) ، قال : ممدين قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : ( مردفين ) ، " الإرداف " ، الإمداد بهم .

15751 - حدثني بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( بألف من الملائكة مردفين ) ، أي متتابعين .

15752 - حدثنا [ محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ] قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بألف من الملائكة مردفين ) ، يتبع بعضهم بعضا . [ ص: 414 ]

15753 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( مردفين ) ، قال : " المردفين " ، بعضهم على إثر بعض ، يتبع بعضهم بعضا .

15754 - حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( بألف من الملائكة مردفين ) ، يقول : متتابعين ، يوم بدر .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة أهل المدينة : " مردفين " ، بنصب الدال .

وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين والبصريين : ( مردفين ) .

وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك ، ويقول فيما ذكر عنه : هو من " أردف بعضهم بعضا " .

وأنكر هذا القول من قول أبي عمرو بعض أهل العلم بكلام العرب وقال : إنما " الإرداف " ، أن يحمل الرجل صاحبه خلفه . قال : ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرئ بفتح الدال أو بكسرها .

فقال بعض البصريين والكوفيين : معنى ذلك إذا قرئ بالكسر : أن الملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضا ، على لغة من قال : " أردفته " . وقالوا : العرب تقول : " أردفته " . و" ردفته " ، بمعنى " تبعته " و" أتبعته " ، واستشهد لصحة قولهم ذلك بما قال الشاعر :

[ ص: 415 ]

إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا

[ ص: 416 ]

قالوا : فقال الشاعر : " أردفت " ، وإنما أراد " ردفت " ، جاءت بعدها ، لأن الجوزاء تجئ بعد الثريا .

وقالوا معناه إذا قرئ ( مردفين ) ، أنه مفعول بهم ، كأن معناه : بألف من الملائكة يردف الله بعضهم بعضا .

وقال آخرون : معنى ذلك ، إذا كسرت الدال : أردفت الملائكة بعضها بعضا وإذا قرئ بفتحها : أردف الله المسلمين بهم .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : ( بألف من الملائكة مردفين ) ، بكسر الدال ، لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم ، أن معناه : يتبع بعضهم بعضا ، ومتتابعين ففي إجماعهم على ذلك من التأويل ، الدليل الواضح على أن الصحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال ، بمعنى : أردف بعض الملائكة بعضا ، ومسموع من العرب : " جئت مردفا لفلان " ، أي : جئت بعده .

وأما قول من قال : معنى ذلك إذا قرئ " مردفين " بفتح الدال : أن الله أردف المسلمين بهم فقول لا معنى له ، إذ الذكر الذي في " مردفين " من الملائكة دون المؤمنين . وإنما معنى الكلام : أن يمدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم ببعض . ثم حذف ذكر الفاعل ، وأخرج الخبر غير مسمى فاعله ، فقيل : ( مردفين ) ، بمعنى : مردف بعض الملائكة ببعض .

ولو كان الأمر على ما قاله من ذكرنا قوله ، وجب أن يكون في " المردفين " ذكر المسلمين ، لا ذكر الملائكة . وذلك خلاف ما دل عليه ظاهر القرآن . [ ص: 417 ]

وقد ذكر في ذلك قراءة أخرى ، وهي ما : -

15755 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، قال عبد الله بن يزيد : " مردفين " و" مردفين " و" مردفين " ، مثقل على معنى : " مرتدفين " .

15756 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال ، حدثني عبد العزيز بن عمران عن الزمعي ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير ، عن علي رضي الله عنه قال : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه ، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية