صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ( 36 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم ، فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقووا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، ليصدوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله ، فسينفقون أموالهم في ذلك ، ثم تكون نفقتهم تلك عليهم " حسرة " ، يقول : تصير ندامة عليهم ، لأن أموالهم تذهب ، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله ، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله ، لأن الله معلي كلمته ، وجاعل كلمة الكفر السفلى ، ثم يغلبهم المؤمنون ، ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم ، فيعذبون فيها ، فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك ! أما الحي ، فحرب ماله وذهب باطلا في غير درك نفع ، ورجع مغلوبا مقهورا محروبا مسلوبا . وأما الهالك ، فقتل وسلب ، وعجل به إلى نار الله يخلد فيها ، نعوذ بالله من غضبه .

وكان الذي تولى النفقة التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذكر ، أبا سفيان .

* ذكر من قال ذلك : [ ص: 530 ]

16056 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم " الآية ، " والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " ، قال : نزلت في أبي سفيان بن حرب . استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة ، فقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين يقول فيهم كعب بن مالك :


وجئنا إلى موج من البحر وسطه أحابيش منهم حاسر ومقنع




ثلاثة آلاف ونحن نصية     ثلاث مئين إن كثرن ، فأربع



16057 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن أبزى : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، قال : نزلت في أبي سفيان ، استأجر يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سوى من استجاش من العرب . [ ص: 531 ]

16058 - . . . . . . قال ، أخبرنا أبي عن خطاب بن عثمان العصفري ، عن الحكم بن عتيبة : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، قال : نزلت في أبي سفيان . أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية من ذهب ، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالا .

16059 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، الآية ، قال : لما قدم أبو سفيان بالعير إلى مكة أشب الناس ودعاهم إلى القتال ، حتى غزا نبي الله من العام المقبل . وكانت بدر في رمضان يوم الجمعة صبيحة سابع عشرة من شهر رمضان . وكانت أحد في شوال يوم السبت لإحدى عشرة خلت منه في العام الرابع .

16060 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قال الله فيما كان المشركون ، ومنهم أبو سفيان ، يستأجرون الرجال يقاتلون محمدا بهم : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم " فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة " ، يقول : ندامة يوم القيامة وويل " ثم يغلبون " .

16061 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله [ ص: 532 ] " ، الآية حتى قوله : " أولئك هم الخاسرون " ، قال : في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد .

16062 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

16063 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، [ وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد . وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من الحديث عن يوم أحد ، قالوا : أو من قاله منهم : لما أصيب ] يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب ، ورجع فلهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير من قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم ، فأعينونا [ ص: 533 ] بهذا المال على حربه ، لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا ! ففعلوا . قال : ففيهم ، كما ذكر عن ابن عباس ، أنزل الله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم " إلى قوله : " والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " .

16064 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " ، إلى قوله : " يحشرون " ، يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان ، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة ، فسألوهم أن يقووهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعلوا .

16065 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن عطاء بن دينار في قول الله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم " ، الآية ، نزلت في أبي سفيان بن حرب . * * *

وقال بعضهم : عني بذلك المشركون من أهل بدر .

* ذكر من قال ذلك :

16066 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " الآية ، قال : هم أهل بدر . * * * [ ص: 534 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ما قلنا ، وهو أن يقال : إن الله أخبر عن الذين كفروا به من مشركي قريش ، أنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله . لم يخبرنا بأي أولئك عنى ، غير أنه عم بالخبر " الذين كفروا " . وجائز أن يكون عنى المنفقين أموالهم لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد وجائز أن يكون عنى المنفقين منهم ذلك ببدر وجائز أن يكون عنى الفريقين . وإذا كان ذلك كذلك ، فالصواب في ذلك أن يعم كما عم جل ثناؤه الذين كفروا من قريش . * * *

التالي السابق


الخدمات العلمية