القول في 
تأويل قوله ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم  ) 
قال 
أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في هؤلاء "الآخرين" ، من هم ، وما هم؟ 
فقال بعضهم : هم بنو قريظة . 
ذكر من قال ذلك :  
[ ص: 36 ] 
16239 - حدثت عن 
عمار بن الحسن  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  ، عن 
ورقاء  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( 
وآخرين من دونهم  ) ، يعني : من 
بني قريظة   . 
16240 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا 
عيسى  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( 
وآخرين من دونهم  ) ، قال : 
قريظة   . 
وقال آخرون : من 
فارس   . 
ذكر من قال ذلك : 
16241 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم  ) ، هؤلاء 
أهل فارس   . 
وقال آخرون : هم كل عدو للمسلمين ، غير الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرد بهم من خلفهم . قالوا : وهم المنافقون . 
ذكر من قال ذلك : 
16242 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قول الله : ( 
فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم  ) ، قال : أخفهم بهم ، لما تصنع بهؤلاء . وقرأ : ( 
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم  ) . 
16243 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  ، في قوله : ( 
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم  ) ، قال : هؤلاء المنافقون ، لا تعلمونهم لأنهم معكم ، يقولون : لا إله إلا الله ، ويغزون معكم .  
[ ص: 37 ] 
وقال آخرون : هم قوم من الجن . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين ، من السلاح والرمي وغير ذلك ، ورباط الخيل ، ولا وجه لأن يقال : عنى ب"القوة" ، معنى دون معنى من معاني "القوة" ، وقد عم الله الأمر بها . 
فإن قال قائل : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين أن ذلك مراد به الخصوص بقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810559ألا إن القوة الرمي  "؟ 
قيل له : إن الخبر ، وإن كان قد جاء بذلك ، فليس في الخبر ما يدل على أنه مراد بها الرمي خاصة ، دون سائر معاني القوة عليهم ، فإن الرمي أحد معاني القوة؛ لأنه إنما قيل في الخبر : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810559ألا إن القوة الرمي  " ، ولم يقل : "دون غيرها" ، ومن "القوة" أيضا السيف والرمح والحربة ، وكل ما كان معونة على قتال المشركين ، كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم . هذا مع وهاء سند الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وأما قوله : ( 
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم  ) ، فإن قول من قال : عنى به الجن ، أقرب وأشبه بالصواب ، لأنه - جل ثناؤه - قد أدخل بقوله : ( 
ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم  ) ، الأمر بارتباط الخيل لإرهاب كل عدو لله وللمؤمنين يعلمونهم ، ولا شك أن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم ، لعلمهم بأنهم مشركون ، وأنهم لهم حرب . ولا معنى لأن يقال : وهم يعلمونهم لهم  
[ ص: 38 ] أعداء : ( 
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم  ) ، ولكن معنى ذلك - إن شاء الله : ترهبون بارتباطكم ، أيها المؤمنون ، الخيل عدو الله وأعداءكم من بني آدم الذين قد علمتم عداوتهم لكم ، لكفرهم بالله ورسوله ، وترهبون بذلك جنسا آخر من غير بني آدم ، لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم ، الله يعلمهم دونكم؛ لأن بني آدم لا يرونهم . وقيل : إن صهيل الخيل يرهب الجن ، وأن الجن لا تقرب دارا فيها فرس . 
فإن قال قائل : فإن المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون ، فما تنكر أن يكون عني بذلك المنافقون؟ 
قيل : فإن المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم ، وإنما كان يروعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم التي كانوا يستسرون من الكفر ، وإنما أمر المؤمنون بإعداد القوة لإرهاب العدو ، فأما من لم يرهبه ذلك ، فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون . وقيل : "لا تعلمونهم" ، فاكتفي ل"العلم" ، بمنصوب واحد في هذا الموضع ، لأنه أريد : لا تعرفونهم ، كما قال الشاعر :  
[ ص: 39 ] فإن الله يعلمني ووهبا وأنا سوف يلقاه كلانا