القول في 
تأويل قوله ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم  ( 5 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( 
فإذا انسلخ الأشهر الحرم  ) ، فإذا انقضى ومضى وخرج .  
[ ص: 134 ] 
يقال منه : سلخنا شهر كذا نسلخه سلخا وسلوخا ، بمعنى : خرجنا منه ، ومنه قولهم : "شاة مسلوخة" ، بمعنى : المنزوعة من جلدها ، المخرجة منه . 
ويعني ب"الأشهر الحرم" ، ذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم . 
وإنما أريد في هذا الموضع انسلاخ المحرم وحده ، لأن الأذان كان ببراءة يوم الحج الأكبر ، فمعلوم أنهم لم يكونوا أجلوا الأشهر الحرم كلها وقد دللنا على صحة ذلك فيما مضى؛ ولكنه لما كان متصلا بالشهرين الآخرين قبله الحرامين ، وكان هو لهما ثالثا ، وهي كلها متصل بعضها ببعض ، قيل : "فإذا انسلخ الأشهر الحرم" ، ومعنى الكلام : فإذا انقضت الأشهر الحرم الثلاثة عن الذين لا عهد لهم ، أو عن الذين كان لهم عهد فنقضوا عهدهم بمظاهرتهم الأعداء على رسول الله وعلى أصحابه ، أو كان عهدهم إلى أجل غيره معلوم . 
( 
فاقتلوا المشركين  ) ، يقول : فاقتلوهم ( 
حيث وجدتموهم  ) ، يقول : حيث لقيتموهم من الأرض ، في الحرم ، وغير الحرم في الأشهر الحرم وغير الأشهر الحرم ( وخذوهم ) يقول : وأسروهم ( واحصروهم ) ، يقول : وامنعوهم من التصرف في بلاد الإسلام ودخول 
مكة   ( 
واقعدوا لهم كل مرصد  ) ، يقول : واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم "كل مرصد" ، يعني : كل طريق ومرقب . 
وهو "مفعل" ، من قول القائل : "رصدت فلانا أرصده رصدا" ، بمعنى : رقبته . 
( فإن تابوا ) ، يقول : فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله وجحود نبوة نبيه 
محمد   [ ص: 135 ] صلى الله عليه وسلم ، إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد ، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ( 
وأقاموا الصلاة  ) ، يقول : وأدوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها وأعطوا الزكاة التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها ( 
فخلوا سبيلهم  ) ، يقول : فدعوهم يتصرفون في أمصاركم ، ويدخلون البيت الحرام ( إن الله غفور رحيم ) ، لمن تاب من عباده فأناب إلى طاعته ، بعد الذي كان عليه من معصيته ، ساتر على ذنبه ، رحيم به ، أن يعاقبه على ذنوبه السالفة قبل توبته ، بعد التوبة . 
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في الذين أجلوا إلى انسلاخ الأشهر الحرم . 
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
16475 - حدثنا 
عبد الأعلى بن واصل الأسدي  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى  قال : أخبرنا 
أبو جعفر الرازي ،  عن 
الربيع  ، عن 
أنس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810572من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده ، وعبادته لا يشرك له شيئا ، فارقها والله عنه راض قال : وقال 
أنس   : هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ، قبل هرج الأحاديث ، واختلاف الأهواء . وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل الله ، قال الله : ( 
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم  ) ، قال : توبتهم ، خلع الأوثان ، وعبادة ربهم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ثم قال في آية أخرى : ( 
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين  ) ،  
[ ص: 136 ]  [ سورة التوبة : 11 ] . 
16476 - حدثنا 
بشر بن معاذ  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم  ) ، حتى ختم آخر الآية . وكان 
قتادة  يقول : خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله ، فإنما الناس ثلاثة رهط : مسلم عليه الزكاة ، ومشرك عليه الجزية ، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله  . 
16477 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
فإذا انسلخ الأشهر الحرم  ) ، وهي الأربعة التي عددت لك يعني : عشرين من ذي الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وربيعا الأول ، وعشرا من شهر ربيع الآخر . 
وقال قائلو هذه المقالة : قيل لهذه : "الأشهر الحرم" ، لأن الله عز وجل حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين ، والعرض لهم إلا بسبيل خير . 
ذكر من قال ذلك :  
[ ص: 137 ] 
16478 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
إبراهيم بن أبي بكر   : أنه أخبره عن 
مجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=16709وعمرو بن شعيب  في قوله : ( 
فإذا انسلخ الأشهر الحرم  ) ، أنها الأربعة التي قال الله : ( 
فسيحوا في الأرض  ) ، قال : هي "الحرم" ، من أجل أنهم أومنوا فيها حتى يسيحوها . 
16479 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر  ) ، قال : ضرب لهم أجل أربعة أشهر ، وتبرأ من كل مشرك ، ثم أمر إذا انسلخت تلك الأشهر الحرم ( 
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد  ) ، لا تتركوهم يضربون في البلاد ، ولا يخرجوا لتجارة ، ضيقوا عليهم بعدها ، ثم أمر بالعفو ( 
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم  ) . 
16480 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق   : ( 
فإذا انسلخ الأشهر الحرم  ) ، يعني : الأربعة التي ضرب الله لهم أجلا لأهل العهد العام من المشركين ( 
فاقتلوهم حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد  ) ، الآية .  
[ ص: 138 ]