صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ( 12 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فإن نقض هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم من قريش ، عهودهم من بعد ما عاقدوكم أن لا يقاتلوكم ولا يظاهروا عليكم أحدا من أعدائكم ( وطعنوا في دينكم ) ، يقول : وقدحوا في دينكم الإسلام ، [ ص: 154 ] فثلبوه وعابوه ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، يقول : فقاتلوا رؤساء الكفر بالله ( إنهم لا أيمان لهم ) ، يقول : إن رؤساء الكفر لا عهد لهم ( لعلهم ينتهون ) ، لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، على اختلاف بينهم في المعنيين بأئمة الكفر .

فقال بعضهم : هم أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ونظراؤهم . وكان حذيفة يقول : لم يأت أهلها بعد .

ذكر من قال : هم من سميت :

16520 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) ، إلى : ( لعلهم ينتهون ) ، يعني أهل العهد من المشركين ، سماهم "أئمة الكفر" ، وهم كذلك . يقول الله لنبيه : وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم ، فقاتلهم ، أئمة الكفر لا أيمان لهم ( لعلهم ينتهون ) .

16521 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) ، إلى : ( ينتهون ) ، فكان من أئمة الكفر : أبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو سفيان ، وسهيل بن عمرو ، وهم الذين هموا بإخراجه .

16522 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، [ ص: 155 ] عن قتادة : ( أئمة الكفر ) ، أبو سفيان ، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، وسهيل بن عمرو ، وعتبة بن ربيعة .

16523 - حدثنا ابن وكيع وابن بشار قال : ابن وكيع ، حدثنا غندر وقال ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد : ( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) ، قال : أبو سفيان منهم .

16524 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإن نكثوا أيمانهم ) ، إلى : ( ينتهون ) ، هؤلاء قريش . يقول : إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام ، وطعنوا فيه ، فقاتلهم .

16525 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، يعني رؤوس المشركين ، أهل مكة .

16526 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، أبو سفيان بن حرب ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وهم الذين نكثوا عهد الله ، وهموا بإخراج الرسول ، وليس والله كما تأوله أهل الشبهات والبدع والفرى على الله وعلى كتابه .

ذكر الرواية عن حذيفة بالذي ذكرنا عنه :

16527 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، قال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد . [ ص: 156 ]

16528 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا حبيب بن حسان ، عن زيد بن وهب قال : كنت عند حذيفة ، فقرأ هذه الآية : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، فقال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد .

16529 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : قرأ حذيفة : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، قال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد .

16530 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر : ( إنهم لا أيمان لهم ) ، لا عهد لهم .

16531 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( وإن نكثوا أيمانهم ) ، قال : عهدهم .

16532 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإن نكثوا أيمانهم ) ، عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام .

16533 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن صلة ، عن عمار بن ياسر ، في قوله : ( لا أيمان لهم ) ، قال : لا عهد لهم . [ ص: 157 ]

16534 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) ، قال : لا عهد لهم .

وأما "النكث" فإن أصله النقض ، يقال منه : "نكث فلان قوى حبله" ، إذا نقضها .

و"الأيمان" : جمع "اليمين" .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( إنهم لا أيمان لهم ) .

فقرأه قرأة الحجاز والعراق وغيرهم : ( إنهم لا أيمان لهم ) ، بفتح الألف من "أيمان" بمعنى : لا عهود لهم ، على ما قد ذكرنا من قول أهل التأويل فيه .

وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( إنهم لا إيمان لهم ) ، بكسر الألف ، بمعنى : لا إسلام لهم .

وقد يتوجه لقراءته كذلك وجه غير هذا ، وذلك أن يكون أراد بقراءته ذلك كذلك : أنهم لا أمان لهم أي : لا تؤمنوهم ، ولكن اقتلوهم حيث وجدتموهم كأنه أراد المصدر من قول القائل : "آمنته فأنا أومنه إيمانا" .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، الذي لا أستجيز القراءة بغيره ، قراءة من قرأ بفتح "الألف" دون كسرها ، لإجماع الحجة من القرأة على [ ص: 158 ] القراءة به ، ورفض خلافه ، ولإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من أن تأويله : لا عهد لهم و"الأيمان" التي هي بمعنى العهد ، لا تكون إلا بفتح "الألف" ، لأنها جمع "يمين" كانت على عقد كان بين المتوادعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية