القول في تأويل قوله ( 
وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون  ( 30 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : واختلف أهل التأويل في القائل : ( 
عزير ابن الله  ) . 
فقال بعضهم : كان ذلك رجلا واحدا ، هو فنحاص . 
ذكر من قال ذلك : 
16619 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : سمعت 
عبد الله بن عبيد بن عمير  قوله : ( 
وقالت اليهود عزير ابن الله  ) ، قال : قالها رجل واحد ، قالوا : إن اسمه 
فنحاص   . وقالوا : هو الذي قال : ( 
إن الله فقير ونحن أغنياء  ) ، [ سورة آل عمران : 181 ] .  
[ ص: 202 ] 
وقال آخرون : بل كان ذلك قول جماعة منهم . 
ذكر من قال ذلك : 
16620 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير  قال : حدثنا 
محمد بن إسحاق  قال : حدثني 
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت  قال : حدثني 
سعيد بن جبير ،  أو 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس  قال : 
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم  ، ونعمان بن أوفى  ، وشأس بن قيس  ، ومالك بن الصيف  ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل في ذلك من قولهم : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله  ) ، إلى : ( أنى يؤفكون )  . 
16621 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
وقالت اليهود عزير ابن الله  ) ، وإنما قالوا : هو ابن الله من أجل أن 
عزيرا  كان في أهل الكتاب ، وكانت التوراة عندهم ، فعملوا بها ما شاء الله أن يعملوا ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق ، وكان التابوت فيهم ، فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء ، رفع الله عنهم التابوت ، وأنساهم التوراة ، ونسخها من صدورهم ، وأرسل الله عليهم مرضا ، فاستطلقت بطونهم حتى جعل الرجل يمشي كبده ، حتى نسوا التوراة ، ونسخت من صدورهم ، وفيهم 
عزير  ، فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم ، وكان 
عزير  قبل من علمائهم ، فدعا 
عزير  الله ، وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره من التوراة ، فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله ، نزل نور من الله فدخل جوفه ، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من  
[ ص: 203 ] التوراة ، فأذن في قومه فقال : يا قوم ، قد آتاني الله التوراة وردها إلي ! فعلق بهم يعلمهم ، فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم ، ثم إن التابوت نزل بعد ذلك وبعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم ، فوجدوه مثله ، فقالوا : والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله . 
16622 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
وقالت اليهود عزير ابن الله  ) ، إنما قالت ذلك ، لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم ، وأخذوا التوراة ، وذهب علماؤهم الذين بقوا ، وقد دفنوا كتب التوراة في الجبال . وكان 
عزير  غلاما يتعبد في رءوس الجبال ، لا ينزل إلا يوم عيد ، فجعل الغلام يبكي ويقول : "رب تركت بني إسرائيل بغير عالم" ! فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه ، فنزل مرة إلى العيد ، فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول : يا مطعماه ، ويا كاسياه ! فقال لها : ويحك ، من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك أو ينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت : الله! قال : فإن الله حي لم يمت! قالت : يا 
عزير  ، فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال : الله! قالت : فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خصم ، ولى مدبرا ، فدعته فقالت : يا 
عزير ،  إذا أصبحت غدا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ، ثم اخرج فصل ركعتين ،  
[ ص: 204 ] فإنه يأتيك شيخ ، فما أعطاك فخذه ، فلما أصبح انطلق 
عزير  إلى ذلك النهر ، فاغتسل فيه ، ثم خرج فصلى ركعتين ، فجاءه الشيخ فقال : افتح فمك! ففتح فمه ، فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة ، مجتمع كهيئة القوارير ، ثلاث مرار ، فرجع 
عزير  وهو من أعلم الناس بالتوراة ، فقال : يا بني إسرائيل ، إني قد جئتكم بالتوراة! فقالوا : يا 
عزير ،  ما كنت كذابا! فعمد فربط على كل إصبع له قلما ، وكتب بأصابعه كلها ، فكتب التوراة كلها ، فلما رجع العلماء ، أخبروا بشأن 
عزير  ، فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال ، وكانت في خواب مدفونة ، فعارضوها بتوراة 
عزير ،  فوجدوها مثلها ، فقالوا : ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه  ! 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة قرأة 
أهل المدينة  وبعض 
المكيين  والكوفيين   : " 
وقالت اليهود عزير ابن الله  " ، لا ينونون " 
عزيرا" .  
وقرأه بعض 
المكيين  والكوفيين   : ( 
عزير ابن الله  ) ، بتنوين " 
عزير   " قال : هو اسم مجرى وإن كان أعجميا ، لخفته . وهو مع ذلك غير منسوب إلى الله ، فيكون بمنزلة قول القائل : "زيد ابن عبد الله" ، وأوقع "الابن" موقع الخبر . ولو كان منسوبا إلى الله لكان الوجه فيه ، إذا كان الابن خبرا ، الإجراء ، والتنوين ، فكيف وهو منسوب إلى غير أبيه . 
وأما من ترك تنوين " 
عزير   " ، فإنه لما كانت الباء من "ابن" ساكنة مع التنوين الساكن ، والتقى ساكنان ، فحذف الأول منهما استثقالا لتحريكه ، قال الراجز :  
[ ص: 205 ] لتجدني بالأمير برا وبالقناة مدعسا مكرا 
إذا غطيف السلمي فرا 
فحذف النون للساكن الذي استقبلها . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ : ( 
عزير ابن الله  ) ، بتنوين " 
عزير   " ، لأن العرب لا تنون الأسماء إذا كان "الابن" نعتا للاسم ، [ وتنونه إذا كان خبرا ] ، كقولهم : "هذا زيد ابن عبد الله" ، فأرادوا الخبر عن "زيد" بأنه "ابن عبد الله" ، ولم يريدوا أن يجعلوا "الابن" له نعتا و"الابن" في هذا الموضع خبر ل"عزير" ، لأن الذين ذكر الله عنهم أنهم قالوا ذلك ، إنما أخبروا عن "عزير" ، أنه كذلك ، وإن كانوا بقيلهم ذلك كانوا كاذبين على الله مفترين . 
( 
وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  ) ، يعني قول 
اليهود   : ( 
عزير ابن الله  ) . يقول : يشبه قول هؤلاء في 
الكذب على الله والفرية عليه ونسبتهم المسيح  إلى أنه لله ابن ، 
كذب اليهود  وفريتهم على الله في نسبتهم عزيرا  إلى أنه لله ابن ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد سبحانه ،  
[ ص: 206 ] بل له ما في السماوات والأرض ، كل له قانتون . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
16623 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو صالح  قال : حدثني 
معاوية  ، عن 
علي ،  عن 
ابن عباس  قوله : ( 
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  ) ، يقول : يشبهون . 
16624 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  ) ، ضاهت 
النصارى  قول 
اليهود  قبلهم . 
16625 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  ) ، 
النصارى  يضاهئون قول 
اليهود  في "عزير" . 
16626 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثنا 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : ( 
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  ) ، يقول : 
النصارى ،  يضاهئون قول 
اليهود   . 
16627 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  ) ، يقول : قالوا مثل ما قال أهل الأوثان . 
وقد قيل : إن معنى ذلك : يحكون بقولهم قول أهل الأوثان ، الذين قالوا : "اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى" .  
[ ص: 207 ] 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة 
قرأة الحجاز  والعراق   : ( يضاهون ) ، بغير همز . 
وقرأه 
عاصم   : ( يضاهئون ) ، بالهمز ، وهي لغة 
لثقيف   . 
وهما لغتان ، يقال : "ضاهيته على كذا أضاهيه مضاهاة" و"ضاهأته عليه مضاهأة" ، إذا مالأته عليه وأعنته . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القراءة في ذلك ترك الهمز ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار ، واللغة الفصحى . 
وأما قوله : ( 
قاتلهم الله  ) ، فإن معناه ، فيما ذكر عن 
ابن عباس  ، ما : - 
16628 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو صالح  قال : حدثني 
معاوية  ، عن 
علي ،  عن 
ابن عباس  قوله : ( 
قاتلهم الله  ) ، يقول : لعنهم الله . وكل شيء في القرآن "قتل" ، فهو لعن . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  في ذلك ما : - 
16629 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قوله : ( 
قاتلهم الله  ) ، يعني 
النصارى  ، كلمة من كلام العرب . 
فأما أهل المعرفة بكلام العرب فإنهم يقولون : معناه : قتلهم الله . والعرب تقول : "قاتعك الله" ، و"قاتعها الله" ، بمعنى : قاتلك الله . قالوا : و"قاتعك الله" أهون من "قاتله الله" . 
وقد ذكروا أنهم يقولون : "شاقاه الله ما تاقاه" ، يريدون : أشقاه الله ما أبقاه .  
[ ص: 208 ] 
قالوا : ومعنى قوله : ( 
قاتلهم الله  ) ، كقوله : ( 
قتل الخراصون  ) ، [ سورة الذاريات : 10 ] ، و ( 
قتل أصحاب الأخدود  ) ، [ سورة البروج : 4 ] ، واحد هو بمعنى التعجب . 
فإن كان الذي قالوا كما قالوا ، فهو من نادر الكلام الذي جاء على غير القياس ، لأن "فاعلت" لا تكاد أن تجيء فعلا إلا من اثنين ، كقولهم : "خاصمت فلانا" ، و"قاتلته" ، وما أشبه ذلك . وقد زعموا أن قولهم : "عافاك الله" منه ، وأن معناه : أعفاك الله ، بمعنى الدعاء لمن دعا له بأن يعفيه من السوء . 
وقوله : ( أنى يؤفكون ) ، يقول : أي وجه يذهب بهم ، ويحيدون؟ وكيف يصدون عن الحق؟ وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل .