صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعيبونه ( ويقولون هو أذن ) سامعة ، يسمع من كل أحد ما يقول فيقبله ويصدقه .

وهو من قولهم : " رجل أذنة " مثل " فعلة " إذا كان يسرع الاستماع والقبول ، كما يقال : " هو يقن ، ويقن " إذا كان ذا يقين بكل ما حدث . وأصله من " أذن له يأذن " إذا استمع له . ومنه الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " ومنه قول عدي بن زيد : [ ص: 325 ]

أيها القلب تعلل بددن إن همي في سماع وأذن

وذكر أن هذه الآية نزلت في نبتل بن الحارث .

16899 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : ذكر الله غشهم يعني : المنافقين وأذاهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) الآية . وكان الذي يقول تلك المقالة ، فيما بلغني نبتل بن الحارث أخو بني عمرو بن عوف ، وفيه نزلت هذه الآية ، وذلك أنه قال : " إنما محمد أذن ! من حدثه شيئا صدقه ! " يقول الله : ( قل أذن خير لكم ) أي : يسمع الخير ويصدق به .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( قل أذن خير لكم ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار : ( قل أذن خير لكم ) بإضافة " الأذن " إلى " الخير " يعني : قل لهم يا محمد : هو أذن خير ، لا أذن شر .

وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك : " قل أذن خير لكم " ، بتنوين " أذن " ويصير " خير " خبرا له ، بمعنى : قل : من يسمع منكم أيها المنافقون ما تقولون ويصدقكم إن كان محمد كما وصفتموه ، من أنكم إذا أتيتموه ، فأنكرتم ما ذكر له عنكم من أذاكم إياه وعيبكم له ، سمع منكم وصدقكم - خير [ ص: 326 ] لكم من أن يكذبكم ولا يقبل منكم ما تقولون . ثم كذبهم فقال : بل لا يقبل إلا من المؤمنين ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندي في ذلك قراءة من قرأ : ( قل أذن خير لكم ) بإضافة " الأذن " إلى " الخير " وخفض " الخير " يعني : قل هو أذن خير لكم ، لا أذن شر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

16900 - حدثني المثنى قال : حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) يسمع من كل أحد .

16901 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) قال : كانوا يقولون : " إنما محمد أذن ، لا يحدث عنا شيئا ، إلا هو أذن يسمع ما يقال له " .

16902 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( ويقولون هو أذن ) نقول ما شئنا ، ونحلف ، فيصدقنا .

16903 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ( هو أذن ) قال : يقولون : " نقول ما شئنا ، ثم نحلف له فيصدقنا " .

16904 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد نحوه . [ ص: 327 ] وأما قوله : ( يؤمن بالله ) فإنه يقول : يصدق بالله وحده لا شريك له .

وقوله : ( ويؤمن للمؤمنين ) يقول : ويصدق المؤمنين ، لا الكافرين ولا المنافقين .

وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا : " محمد أذن ! " يقول - جل ثناؤه - : إنما محمد - صلى الله عليه وسلم - مستمع خير ، يصدق بالله وبما جاءه من عنده ، ويصدق المؤمنين ، لا أهل النفاق والكفر بالله .

وقيل : ( ويؤمن للمؤمنين ) معناه : ويؤمن المؤمنين ؛ لأن العرب تقول - فيما ذكر لنا عنها - : " آمنت له وآمنته " بمعنى : صدقته ، كما قيل : ( ردف لكم بعض الذي تستعجلون ) [ سورة النمل : 72 ] ، ومعناه : ردفكم . وكما قال : ( للذين هم لربهم يرهبون ) [ سورة الأعراف : 154 ] ، ومعناه : للذين هم ربهم يرهبون .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

16905 - حدثني المثنى قال : حدثني عبد الله قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) يعني : يؤمن بالله ، ويصدق المؤمنين .

وأما قوله : ( ورحمة للذين آمنوا منكم ) فإن القرأة اختلفت في قراءته ، فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار : ( ورحمة للذين آمنوا ) بمعنى : قل هو [ ص: 328 ] أذن خير لكم ، وهو رحمة للذين آمنوا منكم فرفع " الرحمة " عطفا بها على " الأذن " .

وقرأه بعض الكوفيين : ( ورحمة ) عطفا بها على " الخير " بتأويل : قل أذن خير لكم ، وأذن رحمة .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأه : ( ورحمة ) بالرفع عطفا بها على " الأذن " بمعنى : وهو رحمة للذين آمنوا منكم . وجعله الله رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه ، وصدق بما جاء به من عند ربه ؛ لأن الله استنقذهم به من الضلالة ، وأورثهم باتباعه جناته .

التالي السابق


الخدمات العلمية