القول في تأويل قوله تعالى : ( 
كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون  ( 27 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول ، تعالى ذكره : كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات 
( 
قطعا من الليل  ) ، وهي جمع " قطعة " . 
وكان 
قتادة  يقول في تأويل ذلك ما : 
17647 - حدثنا به 
محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا 
محمد بن ثور  عن 
معمر  ، عن 
قتادة   : ( 
كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما  ) ، قال : ظلمة من الليل . 
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( قطعا ) فقرأته عامة قراء الأمصار : ( قطعا ) بفتح الطاء ، على معنى جمع " قطعة "  
[ ص: 76 ] وعلى معنى أن تأويل ذلك : كأنما أغشيت وجه كل إنسان منهم قطعة من سواد الليل ، ثم جمع ذلك فقيل : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد ، إذ جمع " الوجه " . 
وقرأه بعض متأخري القراء : " قطعا " بسكون الطاء ، بمعنى : كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل ، وبقية من الليل ساعة منه ، كما قال : ( 
فأسر بأهلك بقطع من الليل  ) ، [ سورة هود : 81 سورة الحجر : 65 ] ، أي : ببقية قد بقيت منه . 
ويعتل لتصحيح قراءته كذلك ، أنه في صحف أبي : ( ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم ) . 
قال 
أبو جعفر   : والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي ، قراءة من قرأ ذلك بفتح الطاء ، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها ، وشذوذ ما عداها . وحسب الأخرى دلالة على فسادها خروج قارئها عما عليه قراء أهل أمصار الإسلام . 
فإن قال لنا قائل : فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت ، فما وجه تذكير " المظلم " وتوحيده ، وهو من نعت " القطع " ، و " القطع " جمع لمؤنث ؟ 
قيل : في تذكير ذلك وجهان : 
أحدهما : أن يكون قطعا من " الليل " . وأن يكون من نعت " الليل " فلما كان نكرة ، و " الليل " معرفة ، نصب على القطع . 
فيكون معنى الكلام حينئذ : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل المظلم ثم حذفت الألف واللام  
[ ص: 77 ] من " المظلم " فلما صار نكرة وهو من نعت " الليل " ، نصب على القطع . وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك " حالا " والكوفيون " قطعا " . 
والوجه الآخر : على نحو قول الشاعر : 
لو أن مدحة حي منشر أحدا 
والوجه الأول أحسن وجهيه . 
وقوله : ( 
أولئك أصحاب النار  ) ، يقول : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم 
أهل النار الذين هم أهلها 
( 
هم فيها خالدون  ) ، يقول : هم فيها ماكثون .