صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ( 58 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( قل ) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك وبما أنزل إليك من عند ربك ( بفضل الله ) ، أيها الناس ، الذي تفضل به عليكم ، وهو الإسلام ، فبينه لكم ، ودعاكم إليه ( وبرحمته ) ، التي رحمكم بها ، فأنزلها إليكم ، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ، وبصركم بها في معالم دينكم ، وذلك القرآن ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) يقول : فإن الإسلام الذي دعاهم إليه ، والقرآن الذي أنزله عليهم ، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها . [ ص: 106 ]

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17668 - حدثني علي بن الحسن الأزدي قال : حدثنا أبو معاوية عن الحجاج عن عطية عن أبي سعيد الخدري في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : بفضل الله ، القرآن ( وبرحمته ) أن جعلكم من أهله .

17669 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل عن منصور عن هلال بن يساف : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : بالإسلام الذي هداكم ، وبالقرآن الذي علمكم .

17670 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن يمان قال : حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : بالإسلام والقرآن ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، من الذهب والفضة .

17671 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : " فضل الله " ، الإسلام ، و " رحمته " القرآن .

17672 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا زيد قال : حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : الإسلام والقرآن . [ ص: 107 ]

17673 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف مثله .

17674 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن هلال مثله .

17675 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، أما فضله فالإسلام ، وأما رحمته فالقرآن .

17676 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : فضله : الإسلام ، ورحمته القرآن .

17677 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : القرآن .

17678 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : ( وبرحمته ) ، قال : القرآن .

17679 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس قوله : ( هو خير مما يجمعون ) ، قال : الأموال وغيرها .

17680 - حدثنا علي بن داود قال : حدثني أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : ( قل بفضل الله وبرحمته ) يقول : فضله الإسلام ، ورحمته القرآن .

17681 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن هلال : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : بكتاب الله ، وبالإسلام ( هو خير مما يجمعون ) . [ ص: 108 ]

وقال آخرون : بل " الفضل " القرآن ، و " الرحمة " الإسلام .

ذكر من قال ذلك :

17682 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، قال : ( بفضل الله ) ، القرآن ، ( وبرحمته ) ، حين جعلهم من أهل القرآن .

17683 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا جعفر بن عون قال : حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال : " فضل الله " القرآن ، و " رحمته " الإسلام .

17684 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته ) قال : ( بفضل الله ) القرآن ، ( وبرحمته ) ، الإسلام .

17685 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : كان أبي يقول : فضله القرآن ، ورحمته الإسلام .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( فبذلك فليفرحوا ) .

فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار : ( فليفرحوا ) بالياء ( هو خير مما يجمعون ) بالياء أيضا على التأويل الذي تأولناه ، من أنه خبر عن أهل الشرك بالله . يقول : فبالإسلام والقرآن الذي دعاهم إليه ، فليفرح هؤلاء المشركون ، لا بالمال الذي يجمعون ، فإن الإسلام والقرآن خير من المال الذي يجمعون ، وكذلك :

17686 - حدثت عن عبد الوهاب بن عطاء عن هارون عن أبي التياح : [ ص: 109 ] ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، يعني الكفار .

وروي عن أبي بن كعب في ذلك ما :

17687 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، عن أبي بن كعب : أنه كان يقرأ : ( فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون ) بالتاء .

17688 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن الأجلح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، عن أبي بن كعب مثل ذلك .

وكذلك كان الحسن البصري يقول : غير أنه فيما ذكر عنه كان يقرأ قوله : ( هو خير مما يجمعون ) بالياء; الأول على وجه الخطاب ، والثاني على وجه الخبر عن الغائب .

وكان أبو جعفر القارئ ، فيما ذكر عنه ، يقرأ ذلك نحو قراءة أبي بالتاء جميعا .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار من قراءة الحرفين جميعا بالياء : ( فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) لمعنيين :

أحدهما : إجماع الحجة من القراء عليه .

والثاني : صحته في العربية ، وذلك أن العرب لا تكاد تأمر المخاطب باللام والتاء ، وإنما تأمره فتقول : " افعل ولا تفعل " .

وبعد ؛ فإني لا أعلم أحدا من أهل العربية إلا وهو يستردئ أمر المخاطب باللام ، ويرى أنها لغة مرغوب عنها ، غير الفراء فإنه كان يزعم أن اللام في [ ص: 110 ] الأمر [ هي البناء الذي خلق له ] واجهت به أم لم تواجه ، إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه ، لكثرة الأمر خاصة في كلامهم ، كما حذفوا التاء من الفعل . قال : وأنت تعلم أن الجازم والناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوله الياء والتاء والنون والألف ، فلما حذفت التاء ذهبت اللام ، وأحدثت الألف في قولك : " اضرب " و " افرح " لأن الفاء ساكنة ، فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن ، فأدخلوا ألفا خفيفة يقع بها الابتداء ، كما قال : ( اداركوا ) ، [ سورة الأعراف : 38 ]

و ( اثاقلتم ) ، [ سورة التوبة : 38 ] .

وهذا الذي اعتل به الفراء عليه لا له ، وذلك أن العرب إن كانت قد حذفت اللام في المواجه وتركتها ، فليس لغيرها إذا نطق بكلامها أن يدخل فيها ما ليس منه ما دام متكلما بلغتها . فإن فعل ذلك ، كان خارجا عن لغتها ، وكتاب الله الذي أنزله على محمد بلسانها ، فليس لأحد أن يتلوه إلا بالأفصح من كلامها ، وإن كان معروفا بعض ذلك من لغة بعضها ، فكيف بما ليس بمعروف من لغة حي ولا قبيلة منها ؟ وإنما هو دعوى لا تثبت بها [ حجة ] ولا صحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية