[ ص: 160 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( 
فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين  ( 81 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول ، تعالى ذكره : فلما ألقوا ما هم ملقوه ، قال لهم 
موسى :  ما جئتم به السحر . 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة 
قراء الحجاز  والعراق   ( 
ما جئتم به السحر  ) على وجه الخبر من 
موسى  عن الذي جاءت به سحرة 
فرعون  أنه سحر . كأن معنى الكلام على تأويلهم : قال 
موسى   : الذي جئتم به أيها السحرة ، هو السحر . 
وقرأ ذلك 
مجاهد  وبعض 
المدنيين البصريين   : ( 
ما جئتم به السحر  ) على وجه الاستفهام من 
موسى  إلى السحرة عما جاءوا به ، أسحر هو أم غيره ؟ 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ، قراءة من قرأه على وجه الخبر لا على الاستفهام ، لأن 
موسى  صلوات الله وسلامه عليه ، لم يكن شاكا فيما جاءت به السحرة أنه سحر لا حقيقة له ، فيحتاج إلى استخبار السحرة عنه ، أي شيء هو ؟ 
وأخرى أنه صلوات الله عليه قد كان على علم من السحرة ، إنما جاء بهم 
فرعون  ليغالبوه على ما كان جاءهم به من الحق الذي كان الله آتاه ، فلم يكن  
[ ص: 161 ] يذهب عليه أنهم لم يكونوا يصدقونه في الخبر عما جاءوه به من الباطل ، فيستخبرهم أو يستجيز استخبارهم عنه ، ولكنه صلوات الله عليه أعلمهم أنه عالم ببطول ما جاءوا به من ذلك بالحق الذي أتاه . 
ومبطل كيدهم بحده . 
وهذه أولى بصفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأخرى . 
فإن قال قائل : فما وجه دخول الألف واللام في " السحر " إن كان الأمر على ما وصفت ، وأنت تعلم أن كلام العرب في نظير هذا أن يقولوا : " ما جاءني به عمرو درهم والذي أعطاني أخوك دينار " ، ولا يكادون أن يقولوا : الذي أعطاني أخوك الدرهم وما جاءني به عمرو الدينار ؟ 
قيل له : بلى ، كلام العرب إدخال " الألف واللام " في خبر " ما " و " الذي " إذا كان الخبر عن معهود قد عرفه المخاطب والمخاطب ، بل لا يجوز إذا كان ذلك كذلك إلا بالألف واللام ، لأن الخبر حينئذ خبر عن شيء بعينه معروف عند الفريقين ، وإنما يأتي ذلك بغير " الألف واللام " إذا كان الخبر عن مجهول غير معهود ولا مقصود قصد شيء بعينه ، فحينئذ لا تدخل الألف واللام في الخبر . وخبر 
موسى  كان خبرا عن معروف عنده وعند السحرة ، وذلك أنها كانت نسبت ما جاءهم به 
موسى  من الآيات التي جعلها الله علما له على صدقه  
[ ص: 162 ] ونبوته ، إلى أنه سحر ، فقال لهم 
موسى   : السحر الذي وصفتم به ما جئتكم به من الآيات أيها السحرة ، هو الذي جئتم به أنتم ، لا ما جئتكم به أنا . ثم أخبرهم أن الله سيبطله . فقال : ( 
إن الله سيبطله  ) يقول : سيذهب به ، فذهب به تعالى ذكره بأن سلط عليه عصا 
موسى  قد حولها ثعبانا يتلقفه ، حتى لم يبق منه شيء ( 
إن الله لا يصلح عمل المفسدين  ) يعني : أنه لا يصلح عمل من سعى في أرض الله بما يكرهه ، وعمل فيها بمعاصيه . 
وقد ذكر أن ذلك في قراءة 
أبي بن كعب   : ( ما أتيتم به سحر ) . 
وفي قراءة ابن مسعود : ( 
ما جئتم به سحر  ) وذلك مما يؤيد قراءة من قرأ بنحو الذي اخترنا من القراءة فيه .