[ ص: 177 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( 
وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم  ( 88 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول ، تعالى ذكره : وقال 
موسى  يا ربنا إنك أعطيت 
فرعون  وكبراء قومه وأشرافهم - وهم " الملأ " - " زينة " ، من متاع الدنيا وأثاثها ( 
وأموالا  ) من أعيان الذهب والفضة ( 
في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك  ) يقول 
موسى  لربه : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من ذلك ليضلوا عن سبيلك . 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأه بعضهم : ( 
ليضلوا عن سبيلك  ) ، بمعنى : ليضلوا الناس ، عن سبيلك ، ويصدوهم عن دينك . 
وقرأ ذلك آخرون : ( 
ليضلوا عن سبيلك  ) ، بمعنى : ليضلوا هم عن سبيلك ، فيجوروا عن طريق الهدى . 
فإن قال قائل : أفكان الله جل ثناؤه ، أعطى 
فرعون  وقومه ، ما أعطاهم من زينة الدنيا وأموالها ، ليضلوا الناس عن دينه أو ليضلوا هم عنه ؟ فإن كان لذلك أعطاهم ذلك ، فقد كان منهم ما أعطاهم لذلك ، فلا عتب عليهم في ذلك ؟  
[ ص: 178 ] قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت . 
وقد اختلف أهل العلم بالعربية في معنى هذه " اللام " التي في قوله : ( ليضلوا ) . 
فقال بعض 
نحويي البصرة   : معنى ذلك : ربنا فضلوا عن سبيلك ، كما قال : ( 
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا  ) ، [ سورة القصص : 8 ] ، أي فكان لهم وهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا ، وإنما التقطوه فكان لهم . قال : فهذه " اللام " تجيء في هذا المعنى . 
وقال بعض 
نحويي الكوفة   : هذه " اللام " " لام كي " ومعنى الكلام : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم ، كي يضلوا ثم دعا عليهم . 
وقال آخر : هذه اللامات في قوله : ( ليضلوا ) و ( 
ليكون لهم عدوا  ) ، وما أشبهها بتأويل الخفض : آتيتهم ما أتيتهم لضلالهم والتقطوه لكونه لأنه قد آلت الحالة إلى ذلك . والعرب تجعل " لام كي " في معنى " لام الخفض " و " لام الخفض " في معنى " لام كي " ، لتقارب المعنى ، قال الله تعالى : ( 
سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم  ) [ سورة التوبة : 95 ] أي لإعراضكم ، ولم يحلفوا لإعراضهم ، وقال الشاعر : 
سموت ولم تكن أهلا لتسمو ولكن المضيع قد يصاب 
قال : وإنما يقال : " وما كنت أهلا للفعل " ولا يقال " لتفعل " إلا قليلا . قال : وهذا منه .  
[ ص: 179 ] 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندي أنها " لام كي " ومعنى الكلام : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه ، ويضلوا عن سبيلك عبادك ، عقوبة منك . وهذا كما قال جل ثناؤه : ( 
لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه  ) ، [ سورة الجن : 16 - 17 ] . 
وقوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم  ) هذا دعاء من موسى ، دعا الله على 
فرعون  وملئه أن يغير أموالهم عن هيئتها ، ويبدلها إلى غير الحال التي هي بها ، وذلك نحو قوله : ( 
من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها  ) ، [ سورة النساء : 47 ] . يعني به : من قبل أن نغيرها عن هيئتها التي هي بها . 
يقال منه : " طمست عينه أطمسها وأطمسها طمسا وطموسا " . وقد تستعمل العرب " الطمس " في العفو والدثور ، وفي الاندقاق والدروس ، كما قال 
كعب بن زهير   : 
من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت     عرضتها طامس الأعلام مجهول 
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك في هذا الموضع . فقال جماعة منهم فيه مثل قولنا . 
ذكر من قال ذلك : 
17820 - حدثني 
زكريا بن يحيى بن زائدة  قال : حدثنا 
حجاج  قال : حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
عبد الله بن كثير  قال : بلغنا عن 
القرظي  في قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) ، قال : اجعل سكرهم حجارة . 
17821 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  عن  
[ ص: 180 ]  nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
عبد الله بن كثير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي  قال : اجعل سكرهم حجارة . 
17822 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا 
يحيى بن يمان  عن 
أبي جعفر  عن 
الربيع  عن 
أبي العالية   : ( 
اطمس على أموالهم  ) قال : اجعلها حجارة . 
17823 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الرحمن بن سعد  قال : حدثنا 
أبو جعفر  عن 
الربيع بن أنس  في قوله : ( 
اطمس على أموالهم  ) ، قال : صارت حجارة . 
17824 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  عن 
قتادة  قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) ، قال : بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة . 
17825 - حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا 
محمد بن ثور  عن 
معمر  عن 
قتادة   : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) ، قال : بلغنا أن حرثا لهم صارت حجارة . 
17826 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
قبيصة بن عقبة  قال : حدثنا 
سفيان   : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) ، قال : يقولون : صارت حجارة . 
17827 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق   . قال : حدثنا يحيى 
الحماني  قال : أخبرنا 
ابن المبارك  عن 
إسماعيل  عن 
أبي صالح  في قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) قال : صارت حجارة . 
17828 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  عن 
قتادة  في قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) ، قال : بلغنا أن حروثا لهم صارت حجارة . 
17829 - حدثت عن 
الحسين بن الفرج  قال : سمعت 
أبا معاذ  قال : حدثنا 
عبيد بن سليمان  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  )  
[ ص: 181 ] ، قال : جعلها الله حجارة منقوشة على هيئة ما كانت . 
17830 - حدثنا 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) قال : قد فعل ذلك ، وقد أصابهم ذلك ، طمس على أموالهم ، فصارت حجارة ، ذهبهم ودراهمهم وعدسهم ، وكل شيء . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أهلكها . 
ذكر من قال ذلك : 
17831 - حدثني 
زكريا بن يحيى بن أبي زائدة  قال : حدثنا 
حجاج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
مجاهد :   ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) قال : أهلكها . 
17832 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  مثله . 
17833 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الله  عن 
ورقاء  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  ، مثله . 
17834 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   : ( 
ربنا اطمس على أموالهم  ) ، يقول : دمر عليهم وأهلك أموالهم . 
وأما قوله : ( 
واشدد على قلوبهم  ) ، فإنه يعني : واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح بالإيمان ، كما : 
17835 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله  قال : حدثني 
معاوية  عن 
علي  عن 
ابن عباس   : وقال 
موسى  قبل أن يأتي 
فرعون   : " ربنا اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " فاستجاب الله له ، وحال بين 
فرعون  وبين الإيمان حتى أدركه الغرق ، فلم ينفعه الإيمان . 
17836 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي  
[ ص: 182 ] قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   : ( 
واشدد على قلوبهم  ) يقول : واطبع على قلوبهم ( 
حتى يروا العذاب الأليم  ) ، وهو الغرق . 
17837 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد :   ( 
واشدد على قلوبهم  ) ، بالضلالة . 
17838 - . . . . قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الله  عن 
ورقاء  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد :   ( 
واشدد على قلوبهم  ) ، قال : بالضلالة . 
17839 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
مجاهد  مثله . 
17840 - حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  قال : حدثنا 
عبيد بن سليمان  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
واشدد على قلوبهم  ) ، يقول : أهلكهم كفارا . 
وأما قوله : ( 
فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم  ) ، فإن معناه : فلا يصدقوا بتوحيد الله ويقروا بوحدانيته حتى يروا العذاب الموجع ، كما : 
17841 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد :   ( 
فلا يؤمنوا  ) بالله فيما يرون من الآيات ( 
حتى يروا العذاب الأليم  ) . 
17842 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله  عن 
ورقاء  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  مثله . 
17843 - . . . . قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا 
ابن المبارك  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
مجاهد  مثله . 
17844 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج   [ ص: 183 ] عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
مجاهد  مثله . 
17845 - حدثنا 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : سمعت 
المنقري  يقول : ( 
فلا يؤمنوا  ) يقول : دعا عليهم . 
واختلف أهل العربية في موضع : ( يؤمنوا ) . 
فقال بعض 
نحويي البصرة   : هو نصب ، لأن جواب الأمر بالفاء ، أو يكون دعاء عليهم إذ عصوا . وقد حكي عن قائل هذا القول أنه كان يقول : هو نصب ، عطفا على قوله : ( 
ليضلوا عن سبيلك  ) . 
وقال آخر منهم ، وهو قول 
نحويي الكوفة   : موضعه جزم ، على الدعاء من 
موسى  عليهم ، بمعنى : فلا آمنوا ، كما قال الشاعر : 
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى     ولا تلقني إلا وأنفك راغم 
بمعنى : " فلا انبسط من بين عينيك ما انزوى " ، " ولا لقيتني " ، على الدعاء .  
[ ص: 184 ] 
وكان بعض 
نحويي الكوفة  يقول : هو دعاء ، كأنه قال : اللهم فلا يؤمنوا . قال : وإن شئت جعلتها جوابا لمسألته إياه ، لأن المسألة خرجت على لفظ الأمر ، فتجعل : ( 
فلا يؤمنوا  ) ، في موضع نصب على الجواب ، وليس يسهل . قال : ويكون كقول الشاعر : 
يا ناق سيري عنقا فسيحا     إلى سليمان فنستريحا 
قال : وليس الجواب يسهل في الدعاء ، لأنه ليس بشرط . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك ، أنه في موضع جزم على الدعاء ، بمعنى : فلا آمنوا وإنما اخترت ذلك لأن ما قبله دعاء ، وذلك قوله : ( 
ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم  ) ، فإلحاق قوله : ( 
فلا يؤمنوا  ) إذ كان في سياق ذلك بمعناه أشبه وأولى . 
وأما قوله : ( 
حتى يروا العذاب الأليم  ) ، فإن 
ابن عباس  كان يقول : معناه : حتى يروا الغرق وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك من بعض وجوهها فيما مضى . 
17846 - حدثني 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال 
ابن عباس   : ( 
فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم  ) ، قال : الغرق .