القول في تأويل قوله تعالى : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين  ( 94 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره لنبيه 
محمد  ، صلى الله عليه وسلم : فإن كنت يا 
محمد  في شك من حقيقة ما اخترناك فأنزلنا إليك ، من أن 
بني إسرائيل  لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولا إلى خلقه ، لأنهم يجدونك عندهم مكتوبا ، ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل  
[ ص: 201 ]  ( 
فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، من أهل التوراة والإنجيل 
 nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام  ونحوه ، من أهل الصدق والإيمان بك منهم ، دون أهل الكذب والكفر بك منهم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
17886 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس  في قوله : ( 
فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، قال : التوراة والإنجيل ، الذين أدركوا 
محمدا  صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فآمنوا به ، يقول : فاسألهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم . 
17887 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، قال : هو 
 nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام  كان من أهل الكتاب ، فآمن برسول الله ، صلى الله عليه وسلم . 
17888 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  عن 
مجاهد  قوله : ( 
فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) قال : هم أهل الكتاب . 
17889 - حدثت عن 
الحسين بن الفرج  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول : ( 
فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب ، ممن أدرك نبي الله ، صلى الله عليه وسلم . 
فإن قال قائل : أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك من خبر الله  
[ ص: 202 ] أنه حق يقين ، حتى قيل له : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ؟ 
قيل : لا وكذلك قال جماعة من أهل العلم . 
17890 - حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا 
هشيم  عن 
أبي بشر  عن 
سعيد بن جبير  في قوله : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك  ) ، فقال : لم يشك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل . 
17891 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا 
سويد بن عمرو  عن 
أبي عوانة  عن 
أبي بشر  عن 
سعيد بن جبير  في قوله : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، قال : ما شك وما سأل . 
17892 - حدثني 
الحارث  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12074القاسم بن سلام  قال : حدثنا 
هشيم  قال : أخبرنا 
أبو بشر  عن 
سعيد بن جبير  ومنصور  عن 
الحسن  في هذه الآية ، قال : لم يشك - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل . 
17893 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  عن 
قتادة  قوله : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502036لا أشك ولا أسأل  . 
17894 - حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا 
محمد بن ثور  عن 
معمر  عن 
قتادة   : ( 
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك  ) ، قال : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا أشك ولا أسأل . 
فإن قال : فما وجه مخرج هذا الكلام ، إذن ، إن كان الأمر على ما وصفت ؟ قيل : قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا ، استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه : " إن كنت مملوكي فانته إلى أمري " والعبد المأمور بذلك لا يشك سيده القائل له ذلك أنه عبده . كذلك قول الرجل منهم لابنه : " إن كنت  
[ ص: 203 ] ابني فبرني " ، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه ، وأن ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم ، وذكرنا ذلك بشواهده ، وأن منه قول الله : ( 
وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله  ) ، [ سورة المائدة : 116 ] ، وقد علم جل ثناؤه أن 
عيسى  لم يقل ذلك . وهذا من ذلك ، لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكا في حقيقة خبر الله وصحته ، والله تعالى ذكره بذلك من أمره كان عالما ، ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضا ، إذ كان القرآن بلسانهم نزل . 
وأما قوله : ( 
لقد جاءك الحق من ربك  ) الآية ، فهو خبر من الله مبتدأ . 
يقول ، تعالى ذكره : أقسم لقد جاءك الحق اليقين من الخبر بأنك لله رسول ، وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ، ويجدون نعتك عندهم في كتبهم ( 
فلا تكونن من الممترين  ) ، يقول : فلا تكونن من الشاكين في صحة ذلك وحقيقته . 
ولو قال قائل : إن هذه الآية خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بها بعض من لم يكن صحت ، بصيرته بنبوته - صلى الله عليه وسلم - ممن كان قد أظهر الإيمان بلسانه ، تنبيها له على موضع تعرف حقيقة أمره الذي يزيل اللبس عن قلبه ، كما قال جل ثناؤه : ( 
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما  ) [ سورة الأحزاب : 1 ] كان قولا غير مدفوعة صحته .