1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة يونس
  4. القول في تأويل قوله تعالى " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 94 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ، صلى الله عليه وسلم : فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما اخترناك فأنزلنا إليك ، من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولا إلى خلقه ، لأنهم يجدونك عندهم مكتوبا ، ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل [ ص: 201 ] ( فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، من أهل التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام ونحوه ، من أهل الصدق والإيمان بك منهم ، دون أهل الكذب والكفر بك منهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17886 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس في قوله : ( فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، قال : التوراة والإنجيل ، الذين أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فآمنوا به ، يقول : فاسألهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم .

17887 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، قال : هو عبد الله بن سلام كان من أهل الكتاب ، فآمن برسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

17888 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قوله : ( فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) قال : هم أهل الكتاب .

17889 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول : ( فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب ، ممن أدرك نبي الله ، صلى الله عليه وسلم .

فإن قال قائل : أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك من خبر الله [ ص: 202 ] أنه حق يقين ، حتى قيل له : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ؟

قيل : لا وكذلك قال جماعة من أهل العلم .

17890 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ) ، فقال : لم يشك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل .

17891 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سويد بن عمرو عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، قال : ما شك وما سأل .

17892 - حدثني الحارث قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير ومنصور عن الحسن في هذه الآية ، قال : لم يشك - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل .

17893 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا أشك ولا أسأل .

17894 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ، قال : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا أشك ولا أسأل .

فإن قال : فما وجه مخرج هذا الكلام ، إذن ، إن كان الأمر على ما وصفت ؟ قيل : قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا ، استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه : " إن كنت مملوكي فانته إلى أمري " والعبد المأمور بذلك لا يشك سيده القائل له ذلك أنه عبده . كذلك قول الرجل منهم لابنه : " إن كنت [ ص: 203 ] ابني فبرني " ، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه ، وأن ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم ، وذكرنا ذلك بشواهده ، وأن منه قول الله : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ، [ سورة المائدة : 116 ] ، وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك . وهذا من ذلك ، لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكا في حقيقة خبر الله وصحته ، والله تعالى ذكره بذلك من أمره كان عالما ، ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضا ، إذ كان القرآن بلسانهم نزل .

وأما قوله : ( لقد جاءك الحق من ربك ) الآية ، فهو خبر من الله مبتدأ .

يقول ، تعالى ذكره : أقسم لقد جاءك الحق اليقين من الخبر بأنك لله رسول ، وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ، ويجدون نعتك عندهم في كتبهم ( فلا تكونن من الممترين ) ، يقول : فلا تكونن من الشاكين في صحة ذلك وحقيقته .

ولو قال قائل : إن هذه الآية خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بها بعض من لم يكن صحت ، بصيرته بنبوته - صلى الله عليه وسلم - ممن كان قد أظهر الإيمان بلسانه ، تنبيها له على موضع تعرف حقيقة أمره الذي يزيل اللبس عن قلبه ، كما قال جل ثناؤه : ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما ) [ سورة الأحزاب : 1 ] كان قولا غير مدفوعة صحته .

التالي السابق


الخدمات العلمية