صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ( 24 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : مثل فريقي الكفر والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئا ، والأصم الذي لا يسمع شيئا ، فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه ويعمل به ، لشغله بكفره بالله ، وغلبة خذلان الله عليه ، لا يسمع داعي الله إلى الرشاد ، فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به ، فهو مقيم في ضلالته ، يتردد في حيرته . والسميع والبصير فذلك فريق الإيمان ، أبصر حجج الله ، وأقر بما دلت عليه من توحيد الله ، والبراءة من الآلهة والأنداد ، ونبوة الأنبياء عليهم السلام ، وسمع داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله ، كما :

18102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) [ ص: 292 ] ، قال : " الأعمى والأصم " الكافر ، و " البصير والسميع " المؤمن

18103 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) ، الفريقان الكافران ، والمؤمنان ، فأما الأعمى والأصم فالكافران ، وأما البصير والسميع فهما المؤمنان

18104 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) ، الآية ، هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن ، فأما الكافر فصم عن الحق ، فلا يسمعه ، وعمي عنه فلا يبصره . وأما المؤمن فسمع الحق فانتفع به ، وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به

يقول تعالى : ( هل يستويان مثلا ) ، يقول : هل يستوي هذان الفريقان على اختلاف حالتيهما في أنفسهما عندكم أيها الناس ؟ فإنهما لا يستويان عندكم ، فكذلك حال الكافر والمؤمن لا يستويان عند الله ( أفلا تذكرون ) ، يقول جل ثناؤه : أفلا تعتبرون أيها الناس وتتفكرون ، فتعلموا حقيقة اختلاف أمريهما ، فتنزجروا عما أنتم عليه من الضلال إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان .

فالأعمى والأصم ، والبصير والسميع ، في اللفظ أربعة ، وفي المعنى اثنان . ولذلك قيل : ( هل يستويان مثلا ) .

وقيل : ( كالأعمى والأصم ) ، والمعنى : كالأعمى الأصم ، وكذلك قيل ( والبصير والسميع ) ، والمعنى : البصير السميع ، كقول القائل : " قام الظريف والعاقل " وهو ينعت بذلك شخصا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية