صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( . . . من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ( 39 ) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ( 40 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه : ( فسوف تعلمون ) ، أيها القوم ، إذا جاء أمر الله ، من الهالك ، ( من يأتيه عذاب يخزيه ) ، يقول : الذي يأتيه عذاب الله منا ومنكم يهينه ويذله ( ويحل عليه عذاب مقيم ) ، يقول : وينزل به في الآخرة ، مع ذلك ، عذاب دائم لا انقطاع له ، مقيم عليه أبدا .

وقوله : ( حتى إذا جاء أمرنا ) ، يقول : " ويصنع نوح الفلك " ( حتى إذا جاء أمرنا ) [ ص: 318 ] الذي وعدناه أن يجيء قومه من الطوفان الذي يغرقهم .

وقوله : ( وفار التنور ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : معناه : انبجس الماء من وجه الأرض ( وفار التنور ) ، وهو وجه الأرض .

ذكر من قال ذلك :

18143 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أنه قال في قوله : ( وفار التنور ) ، قال : ( التنور ) ، وجه الأرض . قال : قيل له : إذا رأيت الماء على وجه الأرض ، فاركب أنت ومن معك . قال : والعرب تسمي وجه الأرض : "تنور الأرض" .

18144 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن العوام ، عن الضحاك ، بنحوه .

18145 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال ، أخبرنا الشيباني ، عن عكرمة ، في قوله : ( وفار التنور ) ، قال : وجه الأرض

18146 - حدثنا زكريا بن يحيى ابن أبي زائدة وسفيان بن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس ، عن الشيباني ، عن عكرمة : ( وفار التنور ) ، قال : وجه الأرض .

وقال آخرون : هو تنوير الصبح ، من قولهم : "نور الصبح تنويرا" .

ذكر من قال ذلك :

18147 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا محمد بن فضيل قال ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن عباس مولى أبي جحيفة ، عن أبي جحيفة ، عن [ ص: 319 ] علي رضي الله عنه قوله : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) ، قال : هو تنوير الصبح .

18148 - حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيل قالا حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن زياد مولى أبي جحيفة ، عن أبي جحيفة ، عن علي في قوله : ( وفار التنور ) ، قال : تنوير الصبح .

18149 - حدثنا حماد بن يعقوب ، قال : أخبرنا ابن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن مولى أبي جحيفة أراه قد سماه عن أبي جحيفة ، عن علي : ( وفار التنور ، ) قال : تنوير الصبح .

18150 - حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا هشيم ، عن ابن إسحاق ، عن رجل من قريش ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( وفار التنور ) ، قال : طلع الفجر .

18151 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن رجل قد سماه ، عن علي بن أبي طالب قوله : ( وفار التنور ) ، قال : إذا طلع الفجر .

وقال آخرون : معنى ذلك : وفار أعلى الأرض وأشرف مكان فيها بالماء . وقال : "التنور" أشرف الأرض .

ذكر من قال ذلك :

18152 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) ، كنا نحدث أنه أعلى الأرض وأشرفها ، وكان علما بين نوح وبين ربه

18153 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا سليمان قال ، حدثنا أبو هلال قال ، سمعت قتادة قوله : ( وفار التنور ) قال : أشرف الأرض وأرفعها ، فار الماء منه . [ ص: 320 ]

وقال آخرون : هو التنور الذي يختبز فيه .

ذكر من قال ذلك :

18154 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) ، قال : إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الماء ، فإنه هلاك قومك .

18155 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم ، عن أبي محمد ، عن الحسن قال : كان تنورا من حجارة كان لحواء حتى صار إلى نوح . قال : فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك .

18156 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وفار التنور ) ، قال : حين انبجس الماء ، وأمر نوح أن يركب هو ومن معه في الفلك .

18157 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وفار التنور ) ، قال : انبجس الماء منه ، آية ، أن يركب بأهله ومن معه في السفينة .

18158 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه إلا أنه قال : آية ، أن يركب أهله ومن معه في السفينة .

18159 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : آية بأن يركب بأهله ومن معهم في السفينة .

18160 - حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن ليث ، عن مجاهد قال ، نبع الماء في التنور ، فعلمت به امرأته فأخبرته قال ، وكان ذلك في ناحية الكوفة . [ ص: 321 ]

18161 - . . . . قال : حدثنا القاسم قال ، حدثنا علي بن ثابت ، عن السري بن إسماعيل ، عن الشعبي : أنه كان يحلف بالله ، ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة .

18162 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن النضر أبي عمر الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( وفار التنور ) ، قال : فار التنور بالهند .

18163 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وفار التنور ) ، كان آية لنوح ، إذا خرج منه الماء فقد أتى الناس الهلاك والغرق .

وكان ابن عباس يقول في معنى "فار" نبع .

18164 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وفار التنور ) ، قال : نبع .

قال أبو جعفر : و"فوران الماء" سورة دفعته ، يقال منه : "فار الماء يفور فورا وفئورا وفورانا " ، وذلك إذا سارت دفعته .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله : ( التنور ) ، قول من قال : "هو التنور الذي يخبز فيه" ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب ، إلا أن تقوم حجة على شيء منه بخلاف ذلك فيسلم لها . وذلك أنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به ، لإفهامهم معنى ما خاطبهم به .

( قلنا ) ، لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحا أن نعذبهم به ، وفار التنور [ ص: 322 ] الذي جعلنا فورانه بالماء آية مجيء عذابنا بيننا وبينه لهلاك قومه ( احمل فيها ) ، يعني في الفلك ( من كل زوجين اثنين ) ، يقول : من كل ذكر وأنثى ، كما : -

18165 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( من كل زوجين اثنين ) ، قال : ذكر وأنثى من كل صنف .

18166 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18167 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( من كل زوجين اثنين ) ، فالواحد "زوج" ، و"الزوجين" ذكر وأنثى من كل صنف .

18168 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( من كل زوجين اثنين ) ، قال : ذكر وأنثى من كل صنف .

18169 - . . . . قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

18170 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) ، يقول : من كل صنف اثنين .

18171 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( من كل زوجين اثنين ) ، يعني بالزوجين اثنين : ذكر وأنثى .

وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين ، "الزوجان" ، في كلام العرب : الاثنان . قال ، ويقال : "عليه زوجا نعال" ، إذا كانت عليه [ ص: 323 ] نعلان ، ولا يقال : "عليه زوج نعال" ، وكذلك : "عنده زوجا حمام" ، و"عليه زوجا قيود" . وقال : ألا تسمع إلى قوله : ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ) [ سورة النجم : 45 ] ، فإنما هما اثنان .

وقال بعض البصريين من أهل العربية في قوله : ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) ، قال : فجعل "الزوجين" ، "الضربين" ، الذكور والإناث . قال : وزعم يونس أن قول الشاعر :


وأنت امرؤ تغدو على كل غرة فتخطئ فيها مرة وتصيب



يعني به الذئب . قال : فهذا أشذ من ذلك .

وقال آخر منهم : "الزوج" ، اللون . قال : وكل ضرب يدعى "لونا" ، واستشهد ببيت الأعشى في ذلك :


وكل زوج من الديباج يلبسه     أبو قدامة محبوا بذاك معا



ويقول لبيد :


وذي بهجة كن المقانب صوته     وزينه أزواج نور مشرب

[ ص: 324 ]

وذكر أن الحسن قال في قوله : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) [ سورة الذاريات : 49 ] : السماء زوج ، والأرض زوج ، والشتاء زوج ، والصيف زوج ، والليل زوج ، والنهار زوج ، حتى يصير الأمر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء .

وقوله : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) ، يقول : واحمل أهلك أيضا في الفلك ، يعني ب "الأهل" ، ولده ونساءه وأزواجه ( إلا من سبق عليه القول ) ، يقول : إلا من قلت فيهم إني مهلكه مع من أهلك من قومك .

ثم اختلفوا في الذي استثناه الله من أهله .

فقال بعضهم : هو بعض نساء نوح .

ذكر من قال ذلك :

18172 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) ، قال : العذاب ، هي امرأته كانت في الغابرين في العذاب . [ ص: 325 ]

وقال آخرون : بل هو ابنه الذي غرق .

ذكر من قال ذلك :

18173 - حدثت عن المسيب ، عن أبي روق . عن الضحاك في قوله : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) ، قال : ابنه ، غرق فيمن غرق .

وقوله : ( ومن آمن ) ، يقول : واحمل معهم من صدقك واتبعك من قومك يقول الله : ( وما آمن معه إلا قليل ) ، يقول : وما أقر بوحدانية الله مع نوح من قومه إلا قليل .

واختلفوا في عدد الذين كانوا آمنوا معه فحملهم معه في الفلك ، فقال بعضهم في ذلك : كانوا ثمانية أنفس .

ذكر من قال ذلك :

18174 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ) ، قال : ذكر لنا أنه لم يتم في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه ، ونساؤهم ، فجميعهم ثمانية .

18175 - حدثنا ابن وكيع والحسن بن عرفة قالا حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن أبيه ، عن الحكم : ( وما آمن معه إلا قليل ) ، قال : نوح ، وثلاثة بنيه ، وأربع كنائنه .

18176 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : حدثت أن نوحا حمل معه بنيه الثلاثة ، وثلاث نسوة لبنيه ، وامرأة نوح ، فهم ثمانية بأزواجهم . وأسماء بنيه : يافث ، وسام ، وحام ، وأصاب حام زوجته في السفينة ، فدعا نوح أن يغير نطفته ، فجاء بالسودان . [ ص: 326 ]

وقال آخرون : بل كانوا سبعة أنفس .

ذكر من قال ذلك :

18177 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش : ( وما آمن معه إلا قليل ) ، قال : كانوا سبعة : نوح ، وثلاث كنائن له ، وثلاثة بنين .

وقال آخرون : كانوا عشرة سوى نسائهم .

ذكر من قال ذلك :

18178 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما فار التنور ، حمل نوح في الفلك من أمره الله به ، وكانوا قليلا كما قال الله ، فحمل بنيه الثلاثة : سام ، وحام ، ويافث ، ونساءهم ، وستة أناسي ممن كان آمن ، فكانوا عشرة نفر ، بنوح وبنيه وأزواجهم .

وقال آخرون : بل كانوا ثمانين نفسا .

ذكر من قال ذلك :

18179 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : حمل نوح معه في السفينة ثمانين إنسانا .

18180 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، كان بعضهم يقول : كانوا ثمانين يعني "القليل" الذي قال الله : ( وما آمن معه إلا قليل ) .

18181 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال ، حدثنا زيد بن الحباب قال ، حدثني حسين بن واقد الخراساني قال ، حدثني أبو نهيك قال : [ ص: 327 ] سمعت ابن عباس يقول : كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله : ( وما آمن معه إلا قليل ) ، يصفهم بأنهم كانوا قليلا ولم يحدد عددهم بمقدار ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح ، فلا ينبغي أن يتجاوز في ذلك حد الله ، إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حد من كتاب الله ، أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية