صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ( 82 ) مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ( 83 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك ، ( جعلنا عاليها )

يعني عالي قريتهم ( سافلها وأمطرنا عليها ) ، يقول : وأرسلنا عليها ( حجارة من سجيل ) .

واختلف أهل التأويل في معنى "سجيل" . [ ص: 433 ]

فقال بعضهم : هو بالفارسية : سنك ، وكل .

ذكر من قال ذلك .

18424 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( من سجيل ) ، بالفارسية ، أولها حجر ، وآخرها طين .

18425 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

18426 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .

18427 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

18428 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : ( حجارة من سجيل ) ، قال : فارسية أعربت سنك وكل .

18429 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "السجيل" ، الطين .

18430 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : ( من سجيل ) قالا من طين .

18431 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد ، عن وهب قال : سجيل بالفارسية : سنك وكل

18432 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، [ ص: 434 ] عن السدي : ( حجارة من سجيل ) ، أما السجيل فقال ابن عباس : هو بالفارسية : سنك وجل "سنك" ، هو الحجر ، و"جل " ، هو الطين . يقول : أرسلنا عليهم حجارة من طين .

18433 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( حجارة من سجيل ) ، قال : طين في حجارة .

وقال ابن زيد في ذلك ما : -

18434 - حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( حجارة من سجيل ) ، قال : السماء الدنيا . قال : والسماء الدنيا اسمها سجيل ، وهي التي أنزل الله على قوم لوط .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول : "السجيل" ، هو من الحجارة الصلب الشديد ، ومن الضرب ، ويستشهد على ذلك بقول الشاعر :

ضربا تواصى به الأبطال سجيلا

وقال : بعضهم يحول اللام نونا . [ ص: 435 ]

وقال آخر منهم : هو "فعيل" ، من قول القائل : "أسجلته" ، أرسلته فكأنه من ذلك ، أي مرسلة عليهم .

وقال آخر منهم : بل هو من "سجلت له سجلا" من العطاء ، فكأنه قيل : متحوا ذلك البلاء فأعطوه ، وقالوا أسجله : أهمله .

وقال بعضهم : هو من "السجل" ، لأنه كان فيها علم كالكتاب .

وقال آخر منهم : بل هو طين يطبخ كما يطبخ الآجر ، وينشد بيت الفضل بن عباس :

من يساجلني يساجل ماجدا     يملأ الدلو إلى عقد الكرب


فهذا من "سجلت له سجلا" ، أعطيته .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون ، وهو أنها حجارة من طين ، وبذلك وصفها الله في كتابه في موضع ، وذلك قوله : ( لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين ) [ سورة الذاريات : 33 ، 34 ] [ ص: 436 ]

وقد روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقول : هي فارسية ونبطية .

18435 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : فارسية ونبطية "سج" ، "إيل" .

فذهب سعيد بن جبير في ذلك إلى أن اسم الطين بالفارسية "جل " لا "إيل" ، وأن ذلك لو كان بالفارسية لكان "سجل " لا "سجيل" ، لأن الحجر بالفارسية يدعى "سج "والطين "جل" ، فلا وجه لكون الياء فيها وهي فارسية .

قال أبو جعفر : وقد بينا الصواب من القول عندنا في أول الكتاب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال : كان أصل الحجارة طينا فشددت .

وأما قوله : ( منضود ) ، فإن قتادة وعكرمة يقولان فيه ما : -

18436 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : ( منضود ) يقول : مصفوفة .

18437 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ( منضود ) يقول : مصفوفة .

وقال الربيع بن أنس فيه ما : -

18438 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله ( منضود ) ، قال : نضد بعضه على بعض . [ ص: 437 ]

18439 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله : أما قوله : ( منضود ) ، فإنها في السماء منضودة : معدة ، وهي من عدة الله التي أعد للظلمة .

وقال بعضهم : "منضود" ، يتبع بعضه بعضا عليهم . قال : فذلك نضده .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس ، وذلك أن قوله : ( منضود ) من نعت "سجيل" ، لا من نعت "الحجارة " ، وإنما أمطر القوم حجارة من طين ، صفة ذلك الطين أنه نضد بعضه إلى بعض ، فصير حجارة ، ولم يمطروا الطين ، فيكون موصوفا بأنه تتابع على القوم بمجيئه .

قال أبو جعفر : وإنما كان جائزا أن يكون على ما تأوله هذا المتأول لو كان التنزيل بالنصب "منضودة" ، فيكون من نعت "الحجارة " حينئذ .

وأما قوله : ( مسومة عند ربك ) ، فإنه يقول : معلمة عند الله ، أعلمها الله ، و"المسومة" من نعت "الحجارة" ، ولذلك نصبت على النعت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18440 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مسومة ) ، قال : معلمة .

18441 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 438 ]

18442 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18443 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله قال ابن جريج : ( مسومة ) ، لا تشاكل حجارة الأرض .

18444 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : ( مسومة ) قالا مطوقة بها نضح من حمرة .

18445 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( مسومة ) عليها سيما معلومة . حدث بعض من رآها ، أنها حجارة مطوقة عليها أو بها نضح من حمرة ، ليست كحجارتكم .

18446 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : ( مسومة ) ، قال : عليها سيما خطوط .

18447 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( مسومة ) قال : "المسومة" ، المختمة .

وأما قوله : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، فإنه يقول تعالى ذكره متهددا مشركي قريش : وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط ، من مشركي قومك ، يا محمد ، ببعيد أن يمطروها ، إن لم يتوبوا من شركهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 439 ]

18448 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد قال ، حدثنا شعبة قال ، حدثنا أبان بن تغلب ، عن مجاهد ، في قوله : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، قال : أن يصيبهم ما أصاب القوم .

18449 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، قال : يرهب بها من يشاء .

18450 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18451 - . . . . قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18452 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

18453 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، يقول : ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط .

18454 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، يقول : لم يترك منها ظالما بعدهم .

18455 - حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن قتادة في قوله : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، قال : يعني ظالمي هذه الأمة . قال : والله ما أجار منها ظالما بعد ! [ ص: 440 ]

18456 - حدثنا موسى بن هارون قال ، حدثنا حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، يقول : من ظلمة العرب ، إن لم يتوبوا فيعذبوا بها .

18457 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله قال : يقول : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ، من ظلمة أمتك ببعيد ، فلا يأمنها منهم ظالم .

وكان قلب الملائكة عالي أرض سدوم سافلها ، كما : -

18458 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قال ، حدثنا الأعمش ، عن مجاهد قال : أخذ جبريل عليه السلام قوم لوط من سرحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم .

18459 - حدثنا به أبو كريب مرة أخرى عن مجاهد قال : أدخل جبريل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن ، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ، ثم رفعها

18460 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، كان يقول : ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ) ، قال : لما أصبحوا غدا جبريل على قريتهم ، ففتقها من أركانها ، ثم أدخل جناحه ، ثم حملها على خوافي جناحه .

18461 - . . . . قال ، حدثنا شبل قال ، فحدثني هذا ابن أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكر قال : ولم يسمعه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ، [ ص: 441 ] فحملها على خوافي جناحه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، ثم قلبها . فكان أول ما سقط منها شرافها . فذلك قول الله : ( جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) ، قال مجاهد : فلم يصب قوما ما أصابهم ، إن الله طمس على أعينهم ، ثم قلب قريتهم ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل .

18462 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال ، بلغنا أن جبريل عليه السلام أخذ بعروة القرية الوسطى ، ثم ألوى بها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعهم الحجارة قال قتادة : وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف .

18463 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن جبريل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جو السماء حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ثم أتبع شذان القوم صخرا . قال : وهي ثلاث قرى يقال لها "سدوم" ، وهي بين المدينة والشأم . قال : وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف . وذكر [ ص: 442 ] لنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف [ ثم ] يقول سدوم ، يوم ما لك !

18464 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال ، لما أصبحوا يعني قوم لوط نزل جبريل ، فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا ، [ حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ] ، فذلك حين يقول : ( والمؤتفكة أهوى ) [ سورة النجم : 53 ] ، المنقلبة حين أهوى بها جبريل الأرض فاقتلعها بجناحه ، فمن لم يمت حين أسقط الأرض أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذا في الأرض . وهو قول الله : ( فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) ، ثم تتبعهم في القرى ، فكان الرجل [ يتحدث ] ، فيأتيه الحجر فيقتله ، وذلك قول الله تعالى : ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) .

18465 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة قال ، بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، دمدم بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل

18466 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن كعب القرظي قال : حدثت أن نبي الله صلى الله عليه [ ص: 443 ] وسلم قال : " بعث الله جبريل عليه السلام إلى المؤتفكة قرية لوط عليه السلام التي كان لوط فيهم ، فاحتملها بجناحه ، ثم صعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نباح كلابها وأصوات دجاجها ، ثم كفأها على وجهها ، ثم أتبعها الله بالحجارة ، يقول الله : ( جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) ، فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات ، وكن خمس قريات ، "صنعة" و"صعوة" "وعثرة" ، و"دوما" و"سدوم" وسدوم هي القرية العظمى ونجى الله لوطا ومن معه من أهله ، إلا امرأته كانت فيمن هلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية