[ ص: 486 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( 
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ  ( 108 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة 
قرأة المدينة  والحجاز  والبصرة   وبعض الكوفيين : ( 
وأما الذين سعدوا  ) ، بفتح السين . 
وقرأ ذلك جماعة من 
قرأة الكوفة    : ( 
وأما الذين سعدوا  ) ، بضم السين ، بمعنى : رزقوا السعادة . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب . 
فإن قال قائل : وكيف قيل : ( سعدوا ) ، فيما لم يسم فاعله ، ولم يقل : "أسعدوا" ، وأنت لا تقول في الخبر فيما سمي فاعله : "سعده الله" ، بل إنما تقول : "أسعده الله"؟ 
قيل ذلك نظير قولهم : "هو مجنون " و"محبوب" ، فيما لم يسم فاعله ، فإذا سموا فاعله قيل : "أجنه الله " ، و"أحبه" ، والعرب تفعل ذلك كثيرا . وقد بينا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا . 
وتأويل ذلك : وأما الذين سعدوا برحمة الله ، فهم في الجنة خالدين فيها ما دامت  
[ ص: 487 ] السموات والأرض ، يقول : أبدا ( 
إلا ما شاء ربك  ) . 
فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك . 
فقال بعضهم : ( 
إلا ما شاء ربك  ) ، من قدر ما مكثوا في النار قبل دخولهم الجنة . قالوا : وذلك فيمن أخرج من النار من المؤمنين فأدخل الجنة . 
ذكر من قال ذلك : 
18583 - حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال ، حدثنا 
محمد بن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
الضحاك  في قوله : ( 
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك  ) ، قال : هو أيضا في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة . يقول : خالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك . يقول : إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : ( 
إلا ما شاء ربك  ) ، من الزيادة على قدر مدة دوام السموات والأرض ، قالوا : وذلك هو الخلود فيها أبدا . 
ذكر من قال ذلك : 
18584 - حدثنا 
ابن حميد  قال ، حدثنا 
يعقوب ،  عن 
أبي مالك ، يعني ثعلبة ،  عن 
أبي سنان   : ( 
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك  ) ، قال : ومشيئته خلودهم فيها ، ثم أتبعها فقال : ( 
عطاء غير مجذوذ  )  . 
واختلف أهل العربية في وجه الاستثناء في هذا الموضع . 
فقال بعضهم في ذلك معنيان : 
أحدهما : أن تجعله استثناء يستثنيه ولا يفعله ، كقولك : "والله لأضربنك  
[ ص: 488 ] إلا أن أرى غير ذلك" ، وعزمك على ضربه . قال : فكذلك قال : ( 
خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك  ) ، ولا يشاؤه ، [ وهو أعلم ] . 
قال : والقول الآخر : أن العرب إذا استثنت شيئا كثيرا مع مثله ، ومع ما هو أكثر منه ، كان معنى "إلا " ومعنى "الواو" سواء . فمن كان قوله : ( 
خالدين فيها ما دامت السموات والأرض  ) سوى ما شاء الله من زيادة الخلود ، فيجعل "إلا" مكان "سوى" فيصلح ، وكأنه قال : "خالدين فيها ما دامت السموات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد" . ومثله في الكلام أن تقول : لي عليك ألف إلا ألفين اللذين [ من قبل فلان" ، أفلا ترى أنه في المعنى : لي عليك ألف سوى الألفين ] ؟ قال : وهذا أحب الوجهين إلي ، لأن الله لا خلف لوعده . وقد وصل الاستثناء بقوله : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، فدل على أن الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطع عنهم . 
وقال آخر منهم بنحو هذا القول . وقالوا : جائز فيه وجه ثالث : وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ ، إلى أن يصيروا إلى الجنة ، ثم هو خلود الأبد . يقول : فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ . 
وقال آخر منهم : جائز أن يكون دوام السموات والأرض ، بمعنى : الأبد ، على ما تعرف العرب وتستعمل ، وتستثنى المشيئة من دوامها ، لأن أهل  
[ ص: 489 ] الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السموات والأرض في الدنيا ، لا في الجنة ، فكأنه قال : خالدين في الجنة ، وخالدين في النار ، دوام السماء ، والأرض ، إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك .
قال 
أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، القول الذي ذكرته عن 
الضحاك ،  وهو ( 
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك  ) ، من قدر مكثهم في النار ، من لدن دخلوها إلى أن أدخلوا الجنة ، وتكون الآية معناها الخصوص ، لأن الأشهر من كلام العرب في "إلا" توجيهها إلى معنى الاستثناء ، وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها ، إلا أن يكون معها دلالة تدل على خلاف ذلك . ولا دلالة في الكلام أعني في قوله : ( 
إلا ما شاء ربك  ) تدل على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام ، فيوجه إليه . 
وأما قوله : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، فإنه يعني : عطاء من الله غير مقطوع عنهم . 
من قولهم : "جذذت الشيء أجذه جذا" ، إذا قطعته ، كما قال النابغة : 
تجذ السلوقي المضاعف نسجه ويوقدن بالصفاح نار الحباحب 
 [ ص: 490 ] 
يعني بقوله : "تجذ" : تقطع . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
18585 - حدثنا 
ابن وكيع  قال ، حدثنا 
المحاربي ،  عن 
جويبر ،  عن 
الضحاك   : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، قال : غير مقطوع . 
18586 - حدثنا 
بشر  قال ، حدثنا 
يزيد  قال ، حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، يقول : غير منقطع  . 
18587 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال ، حدثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس   : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، يقول : عطاء غير مقطوع  . 
18588 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال ، حدثنا 
أبو عاصم  قال ، حدثنا 
عيسى ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد :   ( 
مجذوذ  ) ، قال : مقطوع  . 
18589 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
إسحاق  قال ، حدثنا 
عبد الله ،  عن 
ورقاء ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قوله : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، قال : غير مقطوع  . 
18590 - . . . . قال ، حدثنا 
أبو حذيفة  قال ، حدثنا 
شبل ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
18591 - . . . . قال ، حدثنا 
إسحاق  قال ، حدثنا 
عبد الله ،  عن أبيه ، عن 
الربيع ،  عن 
أبي العالية ،  مثله . 
18592 - حدثنا 
القاسم  قال ، حدثنا 
الحسين  قال ، حدثني 
حجاج   . عن  
[ ص: 491 ]  nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
18593 - . . . . قال ، حدثني 
حجاج ،  عن 
أبي جعفر ،  عن 
الربيع بن أنس ،  عن 
أبي العالية  قوله : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، قال : أما هذه فقد أمضاها . يقول : عطاء غير منقطع  . 
18594 - حدثني 
يونس  قال ، أخبرنا 
ابن وهب ،  قال ، قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
عطاء غير مجذوذ  ) ، غير منزوع منهم  .