صفحة جزء
[ ص: 531 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ( 118 ) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 119 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولو شاء ربك ، يا محمد ، لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة ، ودين واحد ، كما : -

18699 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) ، يقول : لجعلهم مسلمين كلهم .

وقوله : ( ولا يزالون مختلفين ) ، يقول تعالى ذكره : ولا يزال الناس مختلفين ( إلا من رحم ربك ) .

ثم اختلف أهل التأويل في "الاختلاف" الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به .

فقال بعضهم : هو الاختلاف في الأديان فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء : ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى ، من بين يهودي ونصراني ، ومجوسي ، ونحو ذلك .

وقال قائلو هذه المقالة : استثنى الله من ذلك من رحمهم ، وهم أهل الإيمان .

ذكر من قال ذلك :

18700 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : اليهود والنصارى والمجوس ، والحنيفية هم الذين رحم ربك [ ص: 532 ]

18701 - حدثني المثنى قال ، حدثنا قبيصة قال ، حدثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : اليهود والنصارى والمجوس ، ( إلا من رحم ربك ) ، قال : هم الحنيفية .

18702 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا منصور بن عبد الرحمن قال : قلت للحسن قوله : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، قال : الناس مختلفون على أديان شتى ، إلا من رحم ربك ، فمن رحم غير مختلفين .

18703 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : أهل الباطل ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق .

18704 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : أهل الباطل ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق .

18705 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

18706 - . . . . قال ، حدثنا معلى بن أسد قال ، حدثنا عبد العزيز ، عن منصور بن عبد الرحمن قال : سئل الحسن عن هذه الآية : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، قال : الناس كلهم مختلفون على أديان شتى ، إلا من رحم ربك ، فمن رحم غير مختلف . فقلت له : ( ولذلك خلقهم ) ؟ فقال : خلق هؤلاء لجنته ، وهؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .

18707 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : أهل الباطل ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق . [ ص: 533 ]

18708 - . . . . قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قوله : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : أهل الحق وأهل الباطل . ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق .

18709 - . . . . قال ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

18710 - . . . . قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك : ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق ، ليس فيهم اختلاف .

18711 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : اليهود والنصارى ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل القبلة .

18712 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ولا يزالون مختلفين ) قال : أهل الباطل ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق .

18713 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، قال : لا يزالون مختلفين في الهوى .

18714 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، فأهل رحمة الله أهل جماعة ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة ، وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم .

18715 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، قال : من جعله على الإسلام . [ ص: 534 ]

18716 - . . . . قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا الحسن بن واصل ، عن الحسن : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : أهل الباطل ، ( إلا من رحم ربك ) .

18717 - . . . . قال ، حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : أهل الباطل ( إلا من رحم ربك ) ، قال : أهل الحق .

18718 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا يزالون مختلفين في الرزق ، فهذا فقير وهذا غني .

ذكر من قال ذلك :

18719 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، أن الحسن قال : مختلفين في الرزق ، سخر بعضهم لبعض .

وقال بعضهم : مختلفين في المغفرة والرحمة ، أو كما قال .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك ، بالصواب قول من قال : معنى ذلك : "ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى ، إلا من رحم ربك ، فآمن بالله وصدق رسله ، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله ، وتصديق رسله ، وما جاءهم من عند الله" .

وإنما قلت ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أتبع [ ص: 535 ] ذلك قوله : ( وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ، ففي ذلك دليل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس ، إنما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار ، ولو كان خبرا عن اختلافهم في الرزق ، لم يعقب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم .

وأما قوله : ( ولذلك خلقهم ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله :

فقال بعضهم : معناه : وللاختلاف خلقهم .

ذكر من قال ذلك :

18720 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : للاختلاف .

18721 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : قلت للحسن : ( ولذلك خلقهم ) ؟ فقال : خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .

18722 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عليه ، عن منصور ، عن الحسن ، مثله .

18723 - حدثني المثنى قال ، حدثنا المعلى بن أسد قال ، حدثنا عبد العزيز ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الحسن . بنحوه .

18724 - . . . . قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن خالد الحذاء ، أن الحسن قال في هذه الآية : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : خلق هؤلاء لهذه ، وخلق هؤلاء لهذه .

18725 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا هوذة بن خليفة قال ، حدثنا [ ص: 536 ] عوف ، عن الحسن قال : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرهم .

18726 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : خلقهم فريقين : فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يرحم يختلف ، وذلك قوله : ( فمنهم شقي وسعيد ) ، [ سورة هود : 105 ] .

18727 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء في قوله : ( ولا يزالون مختلفين ) ، قال : يهود ونصارى ومجوس ( إلا من رحم ربك ) ، قال : من جعله على الإسلام ( ولذلك خلقهم ) ، قال : مؤمن وكافر .

18728 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، قال ، حدثنا الأعمش : "ولذلك خلقهم " ، قال : مؤمن وكافر .

18729 - حدثني يونس قال ، أخبرنا أشهب قال : سئل مالك عن قول الله : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) ، قال : خلقهم ليكونوا فريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وللرحمة خلقهم .

ذكر من قال ذلك :

18730 - حدثني أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : للرحمة .

18731 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : ( ولذلك خلقهم ) ، قال للرحمة . [ ص: 537 ]

18732 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، مثله .

18733 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

18734 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو حفص ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : للرحمة خلقهم .

18735 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : للرحمة خلقهم .

18736 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية ، عمن ذكره عن ثابت ، عن الضحاك : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : للرحمة .

18737 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة : ( ولذلك خلقهم ) ، قال : أهل الحق ومن اتبعه لرحمته .

18738 - حدثني سعد بن عبد الله قال ، حدثنا حفص بن عمر قال ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك ) ، قال : للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم ، لأن الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه : أحدهما أهل اختلاف وباطل ، والآخر أهل حق ، ثم عقب ذلك بقوله : ( ولذلك خلقهم ) ، فعم بقوله : ( ولذلك خلقهم ) ، صفة الصنفين ، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له . [ ص: 538 ]

فإن قال قائل : فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت ، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم ، إذ كان لذلك خلقهم ربهم ، وأن يكون المتمتعون هم الملومين؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معنى الكلام : ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم ، ( إلا من رحم ربك ) ، فهداه للحق ولعلمه ، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم ، أنه يكون فيهم المؤمن والكافر ، والشقي والسعيد ، خلقهم فمعنى اللام في قوله : ( ولذلك خلقهم ) بمعنى "على" كقولك للرجل : أكرمتك على برك بي ، وأكرمتك لبرك بي .

وأما قوله : ( وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ، لعلمه السابق فيهم أنهم يستوجبون صليها بكفرهم بالله ، وخلافهم أمره .

وقوله : ( وتمت كلمة ربك ) ، قسم كقول القائل : حلفي لأزورنك ، وبدا لي لآتينك ، ولذلك تلقيت بلام اليمين .

وقوله : ( من الجنة ) ، وهي ما اجتن عن أبصار بني آدم ( والناس ) ، يعني : وبني آدم .

وقيل : إنهم سموا "الجنة" ، لأنهم كانوا على الجنان .

ذكر من قال ذلك :

18739 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك : وإنما سموا "الجنة " أنهم كانوا على الجنان ، والملائكة كلهم "جنة"

18740 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، [ ص: 539 ] عن أبي مالك قال : "الجنة" : الملائكة .

وأما معنى قول أبى مالك هذا : أن إبليس كان من الملائكة ، والجن ذريته ، وأن الملائكة تسمى عنده الجن ، لما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية