صفحة جزء
[ القول في تأويل قوله تعالى : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ( 20 ) ) [ ص: 8 ]

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : ( وشروه ) به : وباع إخوة يوسف يوسف .

فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه ، قال : "اشتريته " ، ومنه قول ابن مفرغ الحميري :


وشريت بردا ليتني من قبل برد كنت هامه



يقول : "بعت بردا " ، وهو عبد كان له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18899 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن [ ص: 9 ] مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، أنه كره الشراء والبيع للبدوي . قال : والعرب تقول : "اشر لي كذا وكذا " ، أي : بع لي كذا وكذا وتلا هذه الآية ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) يقول : باعوه ، وكان بيعه حراما .

18900 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجه المدلي بدلوه .

18901 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله .

18902 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

18903 - وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18904 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

18905 - . . . . قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ( وشروه ) قال : قال ابن عباس : فبيع بينهم .

18906 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( وشروه بثمن بخس ) قال : باعوه .

18907 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

18908 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فباعه إخوته بثمن بخس .

[ ص: 10 ] وقال آخرون : بل عني بقوله : ( وشروه بثمن بخس ) السيارة أنهم باعوا يوسف بثمن بخس .

ذكر من قال ذلك :

18909 - حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وشروه بثمن بخس ) وهم السيارة الذين باعوه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : تأويل ذلك : وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس وذلك أن الله عز وجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسروا شراء يوسف من أصحابهم ، خيفة أن يستشركوهم ، بادعائهم أنه بضاعة . ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلص لهم دونهم ، واسترخاصا لثمنه الذي ابتاعوه به ، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه ( بثمن بخس ) . ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين ، لم يكن لقيلهم لرفقائهم : "هو بضاعة " ، معنى ولا كان لشرائهم إياه ، وهم فيه من الزاهدين وجه ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبا على عقولهم ; لأنه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهد من غير إكراه مكره له عليه ، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول : "هو بضاعة لم أشتره " ، مع زهده فيه . بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنين لنفاستها عنده ، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح .

وأما قوله : ( بخس ) فإنه يعني : نقص .

وهو مصدر من قول القائل : "بخست فلانا حقه : " إذا ظلمته ، يعني : ظلمه فنقصه عما يجب له من الوفاء : "أبخسه بخسا " ، ومنه قوله : [ ص: 11 ] ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) [ سورة هود : 85 ] ، وإنما أريد : بثمن مبخوس منقوص ، فوضع "البخس " وهو مصدر مكان "مفعول " ، كما قيل : ( بدم كذب ) وإنما هو "بدم مكذوب فيه " .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : قيل ( بثمن بخس ) لأنه كان حراما عليهم .

ذكر من قال ذلك :

18910 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر عن الضحاك : ( وشروه بثمن بخس ) قال : "البخس : " الحرام .

[ ص: 12 ] 18911 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن جويبر ، عن الضحاك : : ( وشروه بثمن بخس ) ، قال : حرام .

18912 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : كان ثمنه بخسا ، حراما ، لم يحل لهم أن يأكلوه .

18913 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( وشروه بثمن بخس ) قال : باعوه بثمن بخس ، قال : كان بيعه حراما وشراؤه حراما .

18914 - حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : ( بثمن بخس ) قال : حرام .

18915 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( بثمن بخس ) يقول : لم يحل لهم أن يأكلوا ثمنه .

وقال آخرون : معنى البخس هنا : الظلم .

ذكر من قال ذلك :

18916 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وشروه بثمن بخس ) قال : " البخس : " هو الظلم . وكان بيع يوسف وثمنه حراما عليهم

18917 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال قتادة : ( وشروه بثمن بخس ) قال : ظلم .

وقال آخرون : عني بالبخس في هذا الموضع : القليل .

ذكر من قال ذلك :

18918 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن جابر ، عن عكرمة ، قال : "البخس : " القليل .

18919 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة ، مثله .

قال أبو جعفر : وقد بينا الصحيح من القول في ذلك .

وأما قوله ( دراهم معدودة ) ، فإنه يعني عز وجل أنهم باعوه بدراهم غير [ ص: 13 ] موزونة ، ناقصة غير وافية ، لزهدهم كان فيه .

وقيل : إنما قيل "معدودة " ليعلم بذلك أنها كانت أقل من الأربعين ، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقل من أربعين درهما ، لأن أقل أوزانهم وأصغرها كان الأوقية ، وكان وزن الأوقية أربعين درهما . قالوا : إنما دل بقوله : ( معدودة ) على قلة الدراهم التي باعوه بها .

فقال بعضهم : كان عشرين درهما .

ذكر من قال ذلك :

18920 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما .

18921 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال : عشرون درهما .

18922 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف البكالي ، في قوله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال : عشرون درهما .

18923 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف الشامي : "بخس دراهم " قال : كانت عشرين درهما .

[ ص: 14 ] 18924 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن نوف ، مثله .

18925 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : ( بثمن بخس دراهم معدودة ) قال : عشرون درهما .

18926 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( دراهم معدودة ) قال : كانت عشرين درهما .

18927 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهما ( وكانوا فيه من الزاهدين ) .

18928 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

18929 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي إدريس ، عن عطية ، قال : كانت الدراهم عشرين درهما ، اقتسموها درهمين درهمين .

وقال آخرون : بل كان عددها اثنين وعشرين درهما ، أخذ كل واحد من إخوة يوسف ، وهم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها .

ذكر من قال ذلك :

18930 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( دراهم معدودة ) قال : اثنين وعشرين درهما .

18931 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( دراهم معدودة ) قال : [ ص: 15 ] اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف ، [ وكان إخوة ] أحد عشر رجلا .

18932 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( دراهم معدودة )

18933 - . . . . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

18934 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

وقال آخرون : بل كانت أربعين درهما .

ذكر من قال ذلك :

18935 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة : ( دراهم معدودة ) قال : أربعين درهما .

18936 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية ، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي ، فما قصر عن الأوقية فهو عدد ; يقول الله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) أي لم يبلغ الأوقية .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة ، ولم يحد مبلغ ذلك بوزن ولا عدد ، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد يحتمل أن يكون كان عشرين ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين وأن يكون كان أربعين ، وأقل من ذلك وأكثر ، وأي ذلك كان ، فإنها كانت معدودة [ ص: 16 ] غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين ، ولا في الجهل به دخول ضر فيه . والإيمان بظاهر التنزيل فرض ، وما عداه فموضوع عنا تكلف علمه .

وقوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) يقول تعالى ذكره : وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين ، لا يعلمون كرامته على الله ، ولا يعرفون منزلته عنده ، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بينه وبين والده ، ليخلو لهم وجهه منه ، ويقطعوه عن القرب منه ، لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم ، مصروفة إليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18937 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) قال : لم يعلموا بنبوته ومنزلته من الله .

18938 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : ( وجاءت سيارة ) فنزلت على الجب ، ( فأرسلوا واردهم ) فاستقى من الماء فاستخرج يوسف ، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه ، فزهدوا فيه ، فباعوه . وكان بيعه حراما ، وباعوه بدراهم معدودة .

18939 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني هشيم ، قال : [ ص: 17 ] أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) قال : إخوته زهدوا ، فلم يعلموا منزلته من الله ونبوته ومكانه .

18940 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : إخوته زهدوا فيه ، لم يعلموا منزلته من الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية