1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة يوسف
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه "
صفحة جزء
[ القول في تأويل قوله تعالى : ( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين ( 30 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر ، وشاع من أمرهما فيها ما كان ، فلم ينكتم ، وقلن : ( امرأة العزيز تراود فتاها ) ، عبدها ( عن نفسه ) ، كما : -

19137 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : وشاع الحديث في القرية ، وتحدث النساء بأمره وأمرها ، وقلن : ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) ، أي : عبدها .

وأما " العزيز " فإنه : " الملك " في كلام العرب ، ومنه قول أبي دؤاد :


درة غاص عليها تاجر جليت عند عزيز يوم طل



يعني بالعزيز ، الملك ، وهو من " العزة " . [ ص: 63 ]

وقوله : ( قد شغفها حبا ) ، يقول قد وصل حب يوسف إلى شغاف قلبها فدخل تحته ، حتى غلب على قلبها .

و " شغاف القلب : " حجابه وغلافه الذي هو فيه ، وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله :


وقد حال هم دون ذلك داخل     دخول شغاف تبتغيه الأصابع



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19138 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، أنه سمع عكرمة يقول في قوله : ( شغفها حبا ) قال : دخل حبه تحت الشغاف .

19139 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( قد شغفها حبا ) ، قال : دخل حبه في شغافها .

19140 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قد شغفها حبا ) ، قال : دخل حبه في شغافها .

[ ص: 64 ] 19141 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قد شغفها حبا ) ، قال : كان حبه في شغافها .

19142 - . . . . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث الحسن بن محمد ، عن شبابة .

19143 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( قد شغفها حبا ) ، يقول : علقها حبا .

19144 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( قد شغفها حبا ) ، قال : غلبها .

19145 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي : ( قد شغفها حبا ) ، قال : " المشغوف : " المحب ، و " المشعوف " ، المجنون .

19146 - . . . . وبه قال ، حدثنا أبي ، عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء والحسن : ( قد شغفها حبا ) ، قال أحدهما : قد بطنها حبا . وقال الآخر : قد صدقها حبا .

19147 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( قد شغفها حبا ) ، قال : قد بطنها حبا قال يعقوب : قال أبو بشر : أهل المدينة يقولون : " قد بطنها حبا " .

19148 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن [ ص: 65 ] الحسن ، قال : سمعته يقول في قوله : ( قد شغفها حبا ) ، قال : بطنها حبا . وأهل المدينة يقولون ذلك .

19149 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن قرة ، عن الحسن : ( قد شغفها حبا ) ، قال : قد بطن بها حبا .

19150 - حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو قطن ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن : ( قد شغفها حبا ) ، قال : بطنها حبه .

19151 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة . عن الحسن : ( قد شغفها حبا ) ، قال : بطن بها .

19152 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( قد شغفها حبا ) ، قال : استبطنها حبها إياه .

19153 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( قد شغفها حبا ) ، أي : قد علقها .

19154 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : ( قد شغفها حبا ) ، قال : قد علقها حبا .

19155 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : هو الحب اللازق بالقلب .

19156 - حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت عبيد بن سليمان ، في قوله : ( قد شغفها حبا ) ، يقول : هلكت عليه حبا ، و " الشغاف : " شغاف القلب .

19157 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا [ ص: 66 ] أسباط ، عن السدي : ( قد شغفها حبا ) ، قال : و " الشغاف : " جلدة على القلب يقال لها : " لسان القلب " ، يقول : دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب .

وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين : ( قد شغفها ) ، على معنى ما وصفت من التأويل .

وقرأ ذلك أبو رجاء : " قد شعفها " بالعين .

19158 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو قطن ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن أبي رجاء : " قد شعفها " .

19159 - . . . . قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي الأشهب ، أو عوف عن أبي رجاء : " قد شعفها حبا " ، بالعين .

19160 - . . . . قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا محبوب ، قال : قرأه عوف : " قد شعفها " .

19161 - . . . . قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن هارون ، عن أسيد ، عن الأعرج : " قد شعفها حبا " ، وقال : شعفها إذا كان هو يحبها .

ووجه هؤلاء معنى الكلام إلى أن الحب قد عمها .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول : هو من قول القائل : [ ص: 67 ] " قد شعف بها " ، كأنه ذهب بها كل مذهب ، من " شعف الجبال " ، وهي رءوسها .

وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال : " الشغف " ، شغف الحب و " الشعف " ، شعف الدابة حين تذعر .

19162 - حدثني بذلك الحارث ، عن القاسم ، أنه قال : يروى ذلك عن أبي عوانة ، عن مغيرة عنه .

قال الحارث : قال القاسم ، يذهب إبراهيم إلى أن أصل " الشعف " ، هو الذعر . قال : وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل ، إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ; قال امرؤ القيس :


أتقتلني وقد شعفت فؤادها     كما شعف المهنوءة الرجل الطالي



قال : و " شعف المرأة " من الحب ، و " شعف المهنوءة " من الذعر ، فشبه لوعة الحب وجواه بذلك .

وقال ابن زيد في ذلك ما : -

19163 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( قد شغفها حبا ) قال : إن " الشغف " و " الشعف " ، مختلفان ، [ ص: 68 ] و " الشعف " ، في البغض و " الشغف " في الحب .

وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له ، لأن " الشعف " في كلام العرب بمعنى عموم الحب ، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم .

قال أبو جعفر : والصواب في ذلك عندنا من القراءة : ( قد شغفها ) ، بالغين ، لإجماع الحجة من القرأة عليه .

وقوله : ( إنا لنراها في ضلال مبين ) ، قلن : إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه ، وغلبة حبه عليها ، لفي خطأ من الفعل ، وجور عن قصد السبيل " مبين " ، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال ، وخطأ غير صواب ولا سداد . وإنما كان قيلهن ما قلن من ذلك ، وتحدثهن بما تحدثن به من شأنها وشأن يوسف ، مكرا منهن ، فيما ذكر ، لتريهن يوسف .

التالي السابق


الخدمات العلمية