[ القول في تأويل قوله تعالى : ( 
قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين  ( 33 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : وهذا الخبر من الله يدل على أن 
امرأة العزيز  قد عاودت 
يوسف  في المراودة عن نفسه ، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه ، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ; لأنها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك ، كان محالا أن يقول : ( 
رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه  ) ، وهو لا يدعى إلى شيء ، ولا يخوف بحبس . 
و " السجن " هو الحبس نفسه ، وهو بيت الحبس . 
وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها . 
والعرب  تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال . فتقول : " طلعت الشمس مطلعا ، وغربت مغربا " ،  
[ ص: 88 ] فيجعلونها ، وهي أسماء ، خلفا من المصادر ، فكذلك " السجن " ، فإذا فتحت السين من " السجن " كان مصدرا صحيحا . 
وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرأه : " السجن أحب إلي " ، بفتح السين . ولا أستجيز القراءة بذلك ، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها . 
قال 
أبو جعفر   : وتأويل الكلام : قال 
يوسف   : يا رب ، الحبس في السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من معصيتك ، ويراودنني عليه من الفاحشة ، كما : - 
19246 - حدثنا 
ابن وكيع  ، قال : حدثنا 
عمرو  ، قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه  ) : من الزنا . 
19247 - حدثنا 
ابن حميد  ، قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  ، قال : قال 
يوسف ،  وأضاف إلى ربه ، واستغاثه على ما نزل به ( 
رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه  ) ، أي : السجن أحب إلي من أن آتي ما تكره . 
وقوله : ( 
وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن  ) ، يقول : وإن لم تدفع عني ، يا رب ، فعلهن الذي يفعلن بي ، في مراودتهن إياي على أنفسهن " أصب إليهن " ، يقول : أمل إليهن ، وأتابعهن على ما يردن مني ويهوين . 
من قول القائل : " صبا فلان إلى كذا " ، ومنه قول الشاعر :  
[ ص: 89 ] إلى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبي 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
19248 - حدثنا 
بشر  ، قال : حدثنا 
يزيد  ، قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   : ( 
أصب إليهن  ) ، يقول : أتابعهن . 
19249 - حدثنا 
ابن حميد  ، قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق   : ( 
وإلا تصرف عني كيدهن  ) ، أي : ما أتخوف منهن ( 
أصب إليهن  ) . 
19250 - حدثني 
يونس  ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد  ، في قوله : ( 
وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين  ) ، قال : إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن مني ولا عندي . 
وقوله : ( 
وأكن من الجاهلين  ) ، يقول : وأكن بصبوتي إليهن ، من الذين جهلوا حقك ، وخالفوا أمرك ونهيك ، كما : - 
19251 - حدثنا 
ابن حميد  ، قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق   : ( 
وأكن من الجاهلين  ) ، أي : جاهلا إذا ركبت معصيتك .