صفحة جزء
[ القول في تأويل قوله تعالى : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ( 42 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا : ( اذكرني عند ربك ) يقول : اذكرني عند سيدك ، وأخبره بمظلمتي ، وأني محبوس بغير جرم ، كما : -

19303 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قال يعني لنبو ( اذكرني عند ربك ) : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء ، قال : أفعل .

19304 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( اذكرني عند ربك ) قال للذي نجا من صاحبي السجن ، يوسف يقول : اذكرني عند الملك . [ ص: 110 ]

19305 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

19306 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أسباط : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، قال : عند ملك الأرض .

19307 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( اذكرني عند ربك ) ، يعني بذلك الملك .

19308 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، الذي نجا من صاحبي السجن ، يقول يوسف : اذكرني للملك .

19309 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي : أنه لما انتهى به إلى باب السجن ، قال له صاحب له : حاجتك أوصني بحاجتك ! قال : حاجتي أن تذكرني عند ربك سوى الرب ، قال يوسف .

وكان قتادة يوجه معنى " الظن " في هذا الموضع ، إلى " الظن " ، الذي هو خلاف اليقين .

19310 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، وإنما عبارة الرؤيا بالظن ، فيحق الله ما يشاء ويبطل ما يشاء . [ ص: 111 ]

قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله قتادة ، من أن عبارة الرؤيا ظن ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء . فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون ، أو أنه غير كائن ثم يكون ، مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن ، لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها ، لم يؤمن مثل ذلك في كل أخبارها . وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها ، سقطت حجتها على من أرسلت إليه . فإذا كان ذلك كذلك ، كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حق وصدق . فمعلوم إذ كان الأمر على ما وصفت ، أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن ، فيقول لأحدهما : ( أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) ، ثم يؤكد ذلك بقوله : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، عند قولهما : ( لم نر شيئا ) ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه ، أنه كائن لا محالة لا شك فيه . وليقينه بكون ذلك ، قال للناجي منهما : ( اذكرني عند ربك ) . فبين إذا بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما ) .

وقوله : ( فأنساه الشيطان ذكر ربه ) وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان ، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه ، ولكنه زل بها فأطال من أجلها في السجن حبسه ، وأوجع لها عقوبته ، كما : -

19311 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن بسطام بن مسلم ، عن مالك بن دينار قال : لما قال يوسف للساقي : ( اذكرني عند ربك ) ، قال : قيل : يا يوسف ، اتخذت من دوني وكيلا؟ لأطيلن حبسك! فبكى يوسف وقال : يا رب ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمة ، فويل لإخوتي .

[ ص: 112 ] 19312 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أنه يعني يوسف قال الكلمة التي قال ، ما لبث في السجن طول ما لبث .

19313 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال : حدثنا يونس ، عن الحسن قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث يعني قوله : ( اذكرني عند ربك ) ، قال : ثم يبكي الحسن فيقول : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس .

19314 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : لولا كلمة يوسف ، ما لبث في السجن طول ما لبث .

19315 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو لم يقل يوسف يعني الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله .

19316 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو لم يستعن يوسف على ربه ، ما لبث في السجن طول ما لبث . .

[ ص: 113 ] 19317 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : لولا أن يوسف استشفع على ربه ، ما لبث في السجن طول ما لبث ، ولكن إنما عوقب باستشفاعه على ربه .

19318 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قال له : ( اذكرني عند ربك ) ، قال : فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا ، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه ، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده ، ( فلبث في السجن بضع سنين ) بقوله : ( اذكرني عند ربك ) .

19319 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه غير أنه قال : فلبث في السجن بضع سنين ، عقوبة لقوله : ( اذكرني عند ربك ) .

19320 - . . . قال ، حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو ، سواء .

19321 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث المثنى ، عن أبي حذيفة .

وكان محمد بن إسحاق يقول : إنما أنسى الشيطان الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم .

19322 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما خرج يعني الذي ظن أنه ناج منهما رد على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه ، فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين . يقول جل ثناؤه : فلبث يوسف في السجن ، لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل : " اذكرني عند سيدك " ، بضع سنين ، عقوبة له من الله بذلك . [ ص: 114 ]

واختلف أهل التأويل في قدر " البضع " الذي لبث يوسف في السجن .

فقال بعضهم : هو سبع سنين .

ذكر من قال ذلك :

19323 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد أبو عثمة قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : لبث يوسف في السجن سبع سنين .

19324 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فلبث في السجن بضع سنين ) ، قال : سبع سنين .

19325 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا عمران أبو الهذيل الصنعاني قال : سمعت وهبا يقول : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك في السجن يوسف سبع سنين ، وعذب بختنصر ، فحول في السباع سبع سنين .

19326 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : زعموا أنها يعني " البضع " سبع سنين ، كما لبث يوسف .

وقال آخرون : " البضع " ، ما بين الثلاث إلى التسع .

ذكر من قال ذلك :

19327 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سليمان قال : حدثنا أبو هلال [ ص: 115 ] قال : سمعت قتادة يقول : " البضع " ما بين الثلاث إلى التسع .

19328 - حدثنا وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد : ( بضع سنين ) ، قال : ما بين الثلاث إلى التسع .

وقال آخرون : بل هو ما دون العشر .

ذكر من قال ذلك :

19329 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : ( بضع سنين ) ، دون العشرة .

وزعم الفراء أن " البضع " لا يذكر إلا مع " عشر " ، ومع " العشرين " إلى التسعين ، وهو " نيف " ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقال : كذلك رأيت العرب تفعل . ولا يقولون : " بضع ومئة " ولا " بضع وألف " ، وإذا كانت للذكران قيل : " بضع " .

قال أبو جعفر : - والصواب في " البضع " من الثلاث إلى التسع ، إلى العشر ، ولا يكون دون الثلاث . وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة ، وما زاد على المئة فلا يكون فيه " بضع " .

التالي السابق


الخدمات العلمية