1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة يوسف
  4. القول في تأويل قوله تعالى " حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا "
صفحة جزء
[ ص: 296 ] [ القول في تأويل قوله تعالى : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( 110 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ، فدعوا من أرسلنا إليهم ، فكذبوهم ، وردوا ما أتوا به من عند الله ( حتى إذا استيأس الرسل ) الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله ، ويصدقوهم فيما أتوهم به من عند الله وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله ، من وعده إياهم نصرهم عليهم ( جاءهم نصرنا ) .

وذلك قول جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19987 - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء .

19988 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، بنحوه غير أنه قال في حديثه ، قال : " أيست الرسل " ، ولم يقل : " لما أيست " . [ ص: 297 ]

19989 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، أن يسلم قومهم ، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا .

19990 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، مثله .

19991 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، ( جاءهم نصرنا ) .

19992 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن عمران السلمي ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، أيس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم .

19993 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث السلمي ، عن عبد الله بن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : ظن قومهم أنهم جاءوهم بالكذب .

19994 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت حصينا ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) . [ ص: 298 ]

19995 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما وعدوا وكذبوا ( جاءهم نصرنا ) .

19996 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من نصر قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، ظن قومهم أنهم قد كذبوهم .

19997 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم ، وأن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) ، يعني الرسل .

19998 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، بمثله سواء .

19999 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هارون ، عن عباد القرشي ، عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن ابن عباس : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة ، وتأويلها عنده : وظن القوم أن الرسل قد كذبوا . [ ص: 299 ]

20000 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن قد كذبتهم رسلهم ( جاءهم نصرنا ) .

20001 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، يعني : أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، فينصر الله الرسل ، ويبعث العذاب .

20002 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم ، وظن قومهم أن رسلهم كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

20003 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كذبوا .

20004 - . . . . قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، قال : [ ص: 300 ] أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحارث قال : سمعت ابن عباس يقول : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة . وقال ابن عباس : ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم ، خفيفة .

20005 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

20006 - . . . . قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن خصيف ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ، وظن الكفار أنهم هم كذبوا .

20007 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد ، قالا حدثنا إسماعيل بن علية . قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم .

20008 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا شعيب ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري ، قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال له : يا أبا عبد الله ، كيف تقرأ هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا . قال : فقال الضحاك بن مزاحم : ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! [ ص: 301 ]

20009 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : حدثني أبي ، أن مسلم بن يسار ، سأل سعيد بن جبير ؛ فقال : يا أبا عبد الله ، آية بلغت مني كل مبلغ : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فهذا الموت ، أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا ، أو نظن أنهم قد كذبوا ، مخففة! قال : فقال سعيد بن جبير : يا أبا عبد الرحمن ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم ( جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) . قال : فقام مسلم إلى سعيد ، فاعتنقه وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني

20010 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أبو المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم؛ وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم . [ ص: 302 ]

20011 - . . . . قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرنا .

20012 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

20013 - حدثني المثنى : قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في هذه الآية : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .

20014 - . . . . قال : حدثنا حماد ، عن كلثوم بن جبر ، قال : قال لي سعيد بن جبير : سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت : استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .

20015 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم ، وظن قومهم المشركون أن الرسل قد كذبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم ، وأخلفوا ، وقرأ : ( جاءهم نصرنا ) ، قال : جاء الرسل النصر حينئذ . قال : وكان أبي يقرؤها : كذبوا .

20016 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن أبي المتوكل ، عن أيوب ابن أبي صفوان ، عن عبد الله بن الحارث ، [ ص: 303 ] أنه قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من إيمان قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به .

20017 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ظن قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به .

20018 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن حذلم ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ، قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا بالتخفيف .

20019 - حدثنا أبو المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، [ ص: 304 ] عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من نصر قومهم ، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم .

20020 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

20021 - . . . . قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

20022 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، يقول : استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم ، ويؤمنوا بهم وظنوا يقول : وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد .



قال أبو جعفر : والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله : ( كذبوا ) بضم الكاف وتخفيف الذال . وذلك أيضا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة .

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة؛ لأن ذلك عقيب قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) [ ص: 305 ] فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا ، وأن المضمر في قوله : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة ، وزاد ذلك وضوحا أيضا ، إتباع الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله : ( فنجي من نشاء ) ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتهم ، فكذبوهم ظنا منهم أنهم قد كذبوهم .

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة ، إلى غير التأويل الذي اخترنا ، ووجهوا معناه إلى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فيما وعدوا من النصر .

ذكر من قال ذلك :

20023 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا .

20024 - . . . . قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قرأ : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، خفيفة ، قال ابن جريج : أقول كما يقول : أخلفوا . قال عبد الله : قال لي ابن عباس : كانوا بشرا . وتلا ابن عباس : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ سورة البقرة : 214 ] قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : ذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخلفوا .

20025 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، أنه قرأ : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، [ ص: 306 ] مخففة . قال عبد الله : هو الذي تكره .

20026 - . . . . قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : هو الذي تكره ، مخففة .

20027 - . . . . قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال في هذه الآية : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قلت : "كذبوا "! قال : نعم ألم يكونوا بشرا؟

20028 - حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : كانوا بشرا ، قد ظنوا .

قال أبو جعفر : وهذا تأويل وقول ، غيره من التأويل أولى عندي بالصواب ، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره ، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسل إليهم فيعذروا في ذلك ، فإن المرسل إليهم لأولى في ذلك منهم بالعذر . وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره .

وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة ، فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا .

ذكر الرواية بذلك عنها ، رضوان الله عليها :

20029 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا [ ص: 307 ] ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فقال : كانوا بشرا ، ضعفوا ويئسوا قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة ، فقال : قالت عائشة : معاذ الله! ما حدث الله رسوله شيئا قط إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذبوهم . فكانت تقرؤها : "قد كذبوا" تثقلها .

20030 - . . . . قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، أن ابن عباس قرأ : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، خفيفة ، قال عبد الله : ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا وتلا ابن عباس : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ا [ سورة البقرة : 214 ] قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : يذهب بها إلى أنهم ضعفوا ، فظنوا أنهم أخلفوا . قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة ، أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمدا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها : "وظنوا أنهم قد كذبوا" مثقلة ، للتكذيب .

20031 - . . . . قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، [ ص: 308 ] عن عائشة قال : قلت لها : قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : قالت عائشة : لقد استيقنوا أنهم قد كذبوا . قلت : "كذبوا" . قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن بربها ، إنما هم أتباع الرسل ، لما استأخر عنهم الوحي ، واشتد عليهم البلاء ، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

20032 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم ، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .

قال أبو جعفر : فهذا ما روي في ذلك عن عائشة ، غير أنها كانت تقرأ : "كذبوا" ، بالتشديد وضم الكاف ، بمعنى ما ذكرنا عنها من أن الرسل ظنت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم ، أنهم قد كذبوهم ، فارتدوا عن دينهم ، استبطاء منهم للنصر .

وقد بينا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيره في هذا الحرف خاصة .

وقال آخرون ممن قرأ قوله : "كذبوا" بضم الكاف وتشديد الذال : معنى ذلك : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدقوهم ، وظنت الرسل ، بمعنى : واستيقنت أنهم قد كذبهم أممهم ، جاءت الرسل نصرتنا . وقالوا : [ ص: 309 ] "الظن" في هذا بمعنى العلم ، من قول الشاعر :


فظنوا بألفي فارس متلبب سراتهم في الفارسي المسرد



ذكر من قال ذلك :

20033 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وهو قول قتادة : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنوا أنهم قد كذبوا ، أي استيقنوا أنه لا خير عند قومهم ، ولا إيمان ( جاءهم نصرنا ) .

20034 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : وعلموا أنهم قد كذبوا ( جاءهم نصرنا ) .

قال أبو جعفر : وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم ، أعني بتشديد الذال من "كذبوا" وضم كافها .

وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك ، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف ، خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة لأنه لم يوجه "الظن" في هذا الموضع منهم أحد إلى معنى العلم واليقين ، مع أن "الظن" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة . فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة ، فإنها لا تستعمل فيه "الظن" لا تكاد تقول : "أظنني حيا ، وأظنني إنسانا" بمعنى : أعلمني إنسانا ، وأعلمني حيا . والرسل الذين كذبتهم أممهم ، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة ، ولتكذيبها إياها منها سامعة ، فيقال فيها : ظنت بأممها أنها كذبتها .

وروي عن مجاهد في ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم ، وتأويل خلاف تأويلهم ، وقراءة غير قراءة [ ص: 310 ] جميعهم ، وهو أنه ، فيما ذكر عنه ، كان يقرأ : " وظنوا أنهم قد كذبوا" بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال .

ذكر الرواية عنه بذلك :

20035 - حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه قرأها : "كذبوا" بفتح الكاف بالتخفيف .

وكان يتأوله كما : -

20036 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : استيأس الرسل أن يعذب قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ( جاءهم نصرنا ) ، قال : جاء الرسل نصرنا . قال مجاهد : قال في "المؤمن" ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ) ، قال : قولهم : "نحن أعلم منهم ولن نعذب" . وقوله : ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) ، [ سورة غافر : 83 ] ، قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق .

قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها . ولو جازت القراءة بذلك لاحتمل وجها من التأويل ، وهو أحسن مما تأوله مجاهد ، وهو : حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومها المكذبة بها ، وظنت الرسل أن قومها قد كذبوا وافتروا على الله بكفرهم بها ، ويكون "الظن" موجها حينئذ إلى معنى العلم ، على ما تأوله الحسن وقتادة .

وأما قوله : ( فنجي من نشاء ) فإن القرأة اختلفت في قراءته .

فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق : "فننجي من نشاء" مخففة بنونين ، [ ص: 311 ] بمعنى : فننجي نحن من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا ، دون الكافرين الذين كذبوا رسلنا ، إذا جاء الرسل نصرنا .

واعتل الذين قرءوا ذلك كذلك ، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة ، وحكمه أن يكون بنونين؛ لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة ، من : "أنجى ينجي" والأخرى "النون" التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال ، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها؛ لأنهما حرفان - أعني النونين - من جنس واحد يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام ، فحذفت من الخط ، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة ، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يدغم أحدهما في صاحبه .

وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى ، غير أنه أدغم النون الثانية وشدد الجيم .

وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء ، على معنى فعل ذلك به ، من : "نجيته أنجيه" .

وقرأ ذلك بعض المكيين : "فنجا من نشاء" بفتح النون والتخفيف ، من : "نجا ينجو" .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأه : "فننجي من نشاء" بنونين؛ لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار ، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها ، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة . وغير جائز خلاف ما كان مستفيضا بالقراءة في قرأة الأمصار .

[ ص: 312 ]

قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا ، كما : -

20037 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال حدثني عمي : قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "فننجي من نشاء" فننجي الرسل ومن نشاء ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل ، فدعوا قومهم ، وأخبروهم أنه من أطاع نجا ، ومن عصاه عذب وغوى .

وقوله : ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) ، يقول : ولا ترد عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا ، فكفروا بالله ، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية