صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله )

قال أبو جعفر : قد دللنا - فيما مضى من كتابنا هذا - على أن "الميثاق " "مفعال " من "التوثق باليمين " ونحوها من الأمور التي تؤكد القول . فمعنى الكلام إذا : واذكروا أيضا يا معشر بني إسرائيل ، إذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلا الله ، كما : -

1447 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) - أي ميثاقكم - ( لا تعبدون إلا الله ) .

قال أبو جعفر : والقرأة مختلفة في قراءة قوله ( لا تعبدون ) . فبعضهم يقرؤها بالتاء ، وبعضهم يقرؤها بالياء ، والمعنى في ذلك واحد . وإنما جازت القراءة بالياء والتاء ، وأن يقال ( لا تعبدون ) و ( لا يعبدون ) وهم غيب ؛ لأن أخذ الميثاق ، بمعنى الاستحلاف . فكما تقول : "استحلفت أخاك ليقومن " فتخبر عنه خبرك عن الغائب لغيبته عنك . وتقول : "استحلفته لتقومن " ، فتخبر عنه خبرك عن المخاطب ؛ لأنك قد كنت خاطبته بذلك - فيكون ذلك صحيحا جائزا .

[ ص: 289 ] فكذلك قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) و ( لا يعبدون ) . من قرأ ذلك "بالتاء " فمعنى الخطاب ، إذ كان الخطاب قد كان بذلك . ومن قرأ " بالياء " فلأنهم ما كانوا مخاطبين بذلك في وقت الخبر عنهم .

وأما رفع "لا تعبدون " ، فبالتاء التي في "تعبدون " ، ولا ينصب ب "أن " التي كانت تصلح أن تدخل مع ( لا تعبدون إلا الله ) . لأنها إذا صلح دخولها على فعل فحذفت ولم تدخل ، كان وجه الكلام فيه الرفع ، كما قال جل ثناؤه : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) [ الزمر : 64 ] ، فرفع "أعبد " ؛ إذ لم تدخل فيها "أن " - بالألف الدالة على معنى الاستقبال ، وكما قال الشاعر :


ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي



فرفع "أحضر " وإن كان يصلح دخول "أن " فيها - إذ حذفت ، بالألف التي تأتي بمعنى الاستقبال .

وإنما صلح حذف "أن " من قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون ) ؛ لدلالة ما ظهر من الكلام عليها ، فاكتفى - بدلالة الظاهر عليها منها .

وقد كان بعض نحويي البصرة يقول : معنى قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، حكاية ، كأنك قلت : استحلفناهم : لا تعبدون ، أي قلنا لهم : والله لا تعبدون - وقالوا : والله لا يعبدون . والذي قال من ذلك ، قريب معناه من معنى القول الذي قلنا في ذلك .

[ ص: 290 ] وبنحو الذي قلنا في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، تأوله أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

1448 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ، وأن لا يعبدوا غيره .

1449 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، قال : أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا لله ولا يعبدوا غيره .

1450 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، قال : الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية