صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : معناه : ( وهم يكفرون بالرحمن ) ، ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) ، أي : يكفرون بالله ولو سير لهم الجبال بهذا القرآن . وقالوا : هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، وجعلوا جواب "لو" مقدما قبلها ، وذلك أن الكلام [ ص: 447 ] على معنى قيلهم : ولو أن هذا القرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ، لكفروا بالرحمن .

ذكر من قال ذلك :

20399 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) قال : هم المشركون من قريش ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة ، وسيرت جبالها ، فاحترثناها ، وأحييت من مات منا ، وقطع به الأرض ، أو كلم به الموتى! فقال الله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) .

20400 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، قول كفار قريش لمحمد : سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم! فقال الله تعالى ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) .

20401 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

20402 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه قال ابن جريج : وقال عبد الله بن كثير قالوا : لو فسحت عنا الجبال ، أو أجريت لنا الأنهار ، أو كلمت به الموتى! فنزل ذلك . قال ابن جريج : وقال ابن عباس : قالوا : سير بالقرآن الجبال ، قطع بالقرآن الأرض ، أخرج به موتانا .

[ ص: 448 ] 20403 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن كثير : قالوا : لو فسحت عنا الجبال ، أو أجريت لنا الأنهار ، أو كلمت به الموتى! فنزل : ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) .

وقال آخرون : بل معناه : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) كلام مبتدأ منقطع عن قوله : ( وهم يكفرون بالرحمن ) . قال : وجواب "لو" محذوف استغني بمعرفة السامعين المراد من الكلام عن ذكر جوابها . قالوا : والعرب تفعل ذلك كثيرا ، ومنه قول امرئ القيس :


فلو أنها نفس تموت سريحة ولكنها نفس تقطع أنفسا

وهو آخر بيت في القصيدة ، فترك الجواب اكتفاء بمعرفة سامعه مراده ، وكما قال الآخر :


فأقسم لو شيء أتانا رسوله     سواك ولكن لم نجد لك مدفعا



ذكر من قال نحو معنى ذلك :

[ ص: 449 ] 20404 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، ذكر لنا أن قريشا قالوا : إن سرك يا محمد ، اتباعك - أو : أن نتبعك - فسير لنا جبال تهامة ، أو زد لنا في حرمنا حتى نتخذ قطائع نخترف فيها ، أو أحي لنا فلانا وفلانا! ناسا ماتوا في الجاهلية . فأنزل الله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، يقول : لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم .

20405 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أذهب عنا جبال تهامة حتى نتخذها زرعا فتكون لنا أرضين ، أو أحي لنا فلانا وفلانا يخبروننا : حق ما تقول؟ فقال الله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) ، يقول : لو كان فعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى كان ذلك .

20406 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) ، الآية ، قال : قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : سير لنا الجبال كما سخرت لداود ، أو قطع لنا الأرض كما قطعت لسليمان ، فاغتدى بها شهرا وراح بها شهرا ، أو كلم لنا الموتى كما كان عيسى يكلمهم ، يقول : لم أنزل بهذا كتابا ، ولكن كان شيئا أعطيته أنبيائي ورسلي .

20407 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في [ ص: 450 ] قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) ، الآية ، قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت صادقا فسير عنا هذه الجبال واجعلها حروثا كهيئة أرض الشأم ومصر والبلدان ، أو ابعث موتانا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه! فقال الله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب ، فيصنع ذلك بهذا القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية