القول في 
تأويل قوله تعالى : ( أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا  ) 
قال 
أبو جعفر   : اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله ( 
أفلم ييأس  ) . 
فكان بعض 
أهل البصرة  يزعم أن معناه : ألم يعلم ويتبين ، ويستشهد لقيله ذلك ببيت 
سحيم بن وثيل الرياحي   : 
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم 
ويروى : "ييسرونني" فمن رواه : "ييسرونني" فإنه أراد : يقتسمونني ، من "الميسر" كما يقسم الجزور . ومن رواه : "يأسرونني" فإنه أراد الأسر ، وقال : عنى بقوله : "ألم تيأسوا" ألم تعلموا . وأنشدوا أيضا في ذلك : 
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه     وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا 
 [ ص: 451 ] وفسروا قوله : "ألم ييأس" ألم يعلم ويتبين؟ 
وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحي من النخع يقال لهم : وهبيل ، تقول : ألم تيأس كذا ، بمعنى : ألم تعلمه؟ 
وذكر عن 
القاسم بن معن  أنها لغة 
هوازن  ، وأنهم يقولون : "يئست كذا" علمت . 
وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك ، ويزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول : "يئست" بمعنى : "علمت" . ويقول هو في المعنى وإن لم يكن مسموعا : "يئست" بمعنى : علمت يتوجه إلى ذلك إذ أنه قد أوقع إلى المؤمنين ، أنه لو شاء لهدى الناس جميعا ، فقال : "أفلم ييأسوا علما" يقول : يؤيسهم العلم ، فكأن فيه "العلم" مضمرا ، كما يقال : قد يئست منك أن لا تفلح علما ، كأنه قيل : علمته علما قال : وقول الشاعر : 
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا     غضفا دواجن قافلا أعصامها 
معناه : حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن ، إلا الذي ظهر لهم ، أرسلوا ،  
[ ص: 452 ] فهو في معنى : حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علمهم ، فكان ما سواه يأسا . 
وأما أهل التأويل فإنهم تأولوا ذلك بمعنى : أفلم يعلم ويتبين . 
ذكر من قال ذلك 
20408 - حدثني 
يعقوب  قال : حدثنا 
هشيم  ، عن 
أبي إسحاق الكوفي  ، عن [ 
مولى مولى بحير   ] أن 
عليا  رضي الله عنه كان يقرأ : "أفلم يتبين الذين آمنوا" . 
20409 - حدثنا 
الحسن بن محمد  قال : حدثنا 
عبد الوهاب  ، عن 
هارون  ، عن 
حنظلة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب  ، عن 
ابن عباس   : ( 
أفلم ييأس  ) يقول : أفلم يتبين . 
20410 - حدثنا 
أحمد بن يوسف  قال : حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
يزيد  ، عن 
جرير بن حازم  ، عن 
الزبير بن الخريت  أو 
يعلى بن حكيم  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس  ، أنه كان يقرؤها : "أفلم يتبين الذين آمنوا "؛ قال : كتب الكاتب الأخرى وهو ناعس .  
[ ص: 453 ]  20411 - حدثنا 
الحسن بن محمد  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال في القراءة الأولى . زعم 
ابن كثير  وغيره : "أفلم يتبين" . 
20412 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   : ( 
أفلم ييأس الذين آمنوا  ) يقول : ألم يتبين . 
20413 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح  ، عن 
علي ،  عن 
ابن عباس  قوله : ( 
أفلم ييأس الذين آمنوا  ) ، يقول : يعلم . 
20414 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا 
عبد الوارث  قال : حدثنا 
ليث  ، عن 
مجاهد  ، في قوله : ( 
أفلم ييأس الذين آمنوا  ) قال : أفلم يتبين . 
20415 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  ، في قوله : ( 
أفلم ييأس الذين آمنوا  ) قال : ألم يتبين الذين آمنوا  . 
20416 - حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا 
محمد بن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة   : ( 
أفلم ييأس الذين آمنوا  ) قال : ألم يعلم الذين آمنوا .  
[ ص: 455 ]  20417 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  ، في قوله : ( 
أفلم ييأس الذين آمنوا  ) قال : ألم يعلم الذين آمنوا . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك ما قاله أهل التأويل : إن تأويل ذلك : "أفلم يتبين ويعلم" لإجماع أهل التأويل على ذلك ، والأبيات التي أنشدناها فيه . 
قال 
أبو جعفر   : فتأويل الكلام إذا : ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن كان سيرت به الجبال ، لسير بهذا القرآن ، أو قطعت به الأرض لقطعت بهذا ، أو كلم به الموتى ، لكلم بهذا ، ولكن لم يفعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيفعل بهذا ( 
بل لله الأمر جميعا  ) ، يقول : ذلك كله إليه وبيده ، يهدي من يشاء إلى الإيمان فيوفقه له ، ويضل من يشاء فيخذله ، أفلم يتبين الذين آمنوا بالله ورسوله إذ طمعوا في إجابتي من سأل نبيهم ما سأله من تسيير الجبال عنهم ، وتقريب
أرض الشأم  عليهم ، وإحياء موتاهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا إلى الإيمان به من غير إيجاد آية ، ولا إحداث شيء مما سألوا إحداثه؟ يقول تعالى ذكره : فما معنى محبتهم ذلك ، مع علمهم بأن الهداية والإهلاك إلي وبيدي ، أنزلت آية أو لم أنزلها؛ أهدي من أشاء بغير إنزال آية ، وأضل من أردت مع إنزالها .