صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ( 41 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معناه : أولم ير هؤلاء المشركون من أهل مكة الذين يسألون محمدا الآيات ، أنا نأتي الأرض فنفتحها له أرضا بعد أرض حوالي أرضهم؟ أفلا يخافون أن نفتح له أرضهم كما فتحنا له غيرها؟

ذكر من قال ذلك :

20514 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض؟ [ ص: 494 ]

20515 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، يعني بذلك : ما فتح الله على محمد . يقول : فذلك نقصانها .

20516 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك قال : ما تغلبت عليه من أرض العدو .

20517 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : كان الحسن يقول في قوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، هو ظهور المسلمين على المشركين .

20518 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، يعني أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ، ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون . قال الله في "سورة الأنبياء" ( نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ) [ سورة الأنبياء : 44 ] بل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون .

وقال آخرون : بل معناه : أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ، أولا يخافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرب أرضهم؟

ذكر من قال ذلك :

20519 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) [ ص: 495 ] قال : أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية؟

20520 - . . . قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن الأعرج ، أنه سمع مجاهدا يقول : ( نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : خرابها .

20521 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الأعرج ، عن مجاهد مثله . قال : وقال ابن جريج : خرابها وهلاك الناس .

20522 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي جعفر الفراء ، عن عكرمة قوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : نخرب من أطرافها .

وقال آخرون : بل معناه : ننقص من بركتها وثمرتها وأهلها بالموت .

ذكر من قال ذلك :

20523 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( ننقصها من أطرافها ) يقول : نقصان أهلها وبركتها .

20524 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( ننقصها من أطرافها ) ، قال : في الأنفس وفي الثمرات ، وفي خراب الأرض . [ ص: 496 ]

20525 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن طلحة القناد ، عمن سمع الشعبي قال : لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك ، ولكن تنقص الأنفس والثمرات .

وقال آخرون : معناه : أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها ، فنتطرفهم بأخذهم بالموت .

ذكر من قال ذلك :

20526 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ننقصها من أطرافها ) ، قال : موت أهلها .

20527 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : الموت .

20528 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هارون النحوي قال : حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة ، في قوله : ( ننقصها من أطرافها ) ، قال : هو الموت . ثم قال : لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانا نجلس فيه .

20529 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : كان عكرمة يقول : هو قبض الناس .

[ ص: 497 ] 20530 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : سئل عكرمة عن نقص الأرض قال : قبض الناس .

20531 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة في قوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : لو كان كما يقولون لما وجد أحدكم جبا يخرأ فيه .

20532 - حدثنا الفضل بن الصباح قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي رجاء قال : سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال : الموت .

وقال آخرون : ( ننقصها من أطرافها ) بذهاب فقهائها وخيارها .

ذكر من قال ذلك :

20533 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها .

20534 - قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد قال : موت العلماء .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها وقهرهم أهلها ، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظهورهم [ ص: 498 ] على أرضهم وقهرهم إياهم؟ وذلك أن الله توعد الذين سألوا رسوله الآيات من مشركي قومه بقوله : ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) ، ثم وبخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضربائهم من الكفار ، وهم مع ذلك يسألون الآيات ، فقال : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) بقهر أهلها ، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها ، وهم لا يعتبرون بما يرون من ذلك .

وأما قوله : ( والله يحكم لا معقب لحكمه ) ، يقول : والله هو الذي يحكم فينفذ حكمه ، ويقضي فيمضي قضاؤه ، وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حكم الله وقضاؤه لم يستطيعوا رده . ويعني بقوله : ( لا معقب لحكمه ) : لا راد لحكمه ،

"والمعقب" في كلام العرب ، هو الذي يكر على الشيء .

وقوله : ( وهو سريع الحساب ) ، يقول : والله سريع الحساب يحصي أعمال هؤلاء المشركين ، لا يخفى عليه شيء ، وهو من وراء جزائهم عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية