1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة إبراهيم
  4. القول في تأويل قوله تعالى "مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره : ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ( 18 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في رافع "مثل" .

فقال بعض نحويي البصرة : إنما هو كأنه قال : ومما نقص عليكم مثل الذين كفروا ، ثم أقبل يفسر ، كما قال : ( مثل الجنة ) [ سورة الرعد : 35 ] ، وهذا كثير .

وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما المثل للأعمال ، ولكن العرب تقدم الأسماء؛ لأنها أعرف ، ثم تأتي بالخبر الذي تخبر عنه مع صاحبه . ومعنى الكلام : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد ، كما قيل : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) [ سورة الزمر : 60 ] ، ومعنى الكلام : ويوم القيامة ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة . قال : ولو خفض "الأعمال" جاز ، كما قال : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) الآية [ سورة البقرة : 217 ] وقوله : ( مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ) [ ص: 553 ] [ سورة الرعد : 35 ] . قال : ف "تجري" هو في موضع الخبر ، كأنه قال : أن تجري ، وأن يكون كذا وكذا ، فلو أدخل "أن" جاز . قال : ومنه قول الشاعر :


ذريني إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتني حلمي مضاعا

قال : فالحلم منصوب ب "ألفيت" على التكرير ، قال : ولو رفعه كان صوابا . قال : وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار فقال : مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة ، التي كانوا يعملونها في الدنيا يزعمون أنهم يريدون الله بها ، مثل رماد عصفت الريح عليه في يوم ريح عاصف ، فنسفته وذهبت به ، فكذلك [ ص: 554 ] أعمال أهل الكفر به يوم القيامة ، لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند الله فينجيهم من عذابه؛ لأنهم لم يكونوا يعملونها لله خالصا ، بل كانوا يشركون فيها الأوثان والأصنام .

يقول الله عز وجل : ( ذلك هو الضلال البعيد ) ، يعني أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ، التي يشركون فيها مع الله شركاء ، هي أعمال عملت على غير هدى واستقامة ، بل على جور عن الهدى بعيد ، وأخذ على غير استقامة شديد .

وقيل : ( في يوم عاصف ) ، فوصف بالعصوف اليوم ، وهو من صفة الريح؛ لأن الريح تكون فيه ، كما يقال : "يوم بارد ، ويوم حار " لأن البرد والحرارة يكونان فيه ، وكما قال الشاعر :


يومين غيمين ويوما شمسا

فوصف اليومين بالغيمين ، وإنما يكون الغيم فيهما . وقد يجوز أن يكون أريد به : في يوم عاصف الريح ، فحذفت "الريح " لأنها قد ذكرت قبل ذلك ، فيكون ذلك نظير قول الشاعر :


إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف

يريد : كاسف الشمس . وقيل : هو من نعت "الريح" خاصة ، غير أنه [ ص: 555 ] لما جاء بعد "اليوم" أتبع إعرابه ، وذلك أن العرب تتبع الخفض الخفض في النعوت ، كما قال الشاعر :


تريك سنة وجه غير مقرفة     ملساء ليس بها خال ولا ندب

فخفض "غير" إتباعا لإعراب "الوجه" وإنما هي من نعت "السنة" والمعنى : سنة وجه غير مقرفة ، وكما قالوا : "هذا جحر ضب خرب" .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

20636 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : ( كرماد اشتدت به الريح ) ، قال : حملته الريح في يوم عاصف .

20637 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) ، يقول : الذين كفروا بربهم وعبدوا غيره ، فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون على شيء من أعمالهم ينفعهم ، كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف .

[ ص: 556 ] وقوله : ( ذلك هو الضلال البعيد ) ، أي الخطأ البين ، البعيد عن طريق الحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية