صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( الصراط المستقيم ) .

قال أبو جعفر : أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن "الصراط المستقيم " ، هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه . وكذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :


أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم



يريد على طريق الحق . ومنه قول الهذلي أبي ذؤيب :


صبحنا أرضهم بالخيل حتى     تركناها أدق من الصراط

[ ص: 171 ]

ومنه قول الراجز :


فصد عن نهج الصراط القاصد



والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا غنى عما تركنا .

ثم تستعير العرب "الصراط " فتستعمله في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، والمعوج باعوجاجه .

والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي ، أعني : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، أن يكون معنيا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم . لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء ، فقد وفق للإسلام ، وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمر الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . وكل عبد لله صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم .

وقد اختلفت تراجمة القرآن في المعني بالصراط المستقيم . يشمل معاني جميعهم في ذلك ، ما اخترنا من التأويل فيه .

ومما قالته في ذلك ، ما روي عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ، وذكر القرآن ، فقال : هو الصراط المستقيم .

174 - حدثنا بذلك موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا حسين الجعفي ، عن حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 172 ]

175 - وحدثت عن إسماعيل بن أبي كريمة ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . [ ص: 173 ]

176 - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث ، عن علي ، قال : " الصراط المستقيم : كتاب الله تعالى ذكره " .

177 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان - ح - وحدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال . حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : " الصراط المستقيم " كتاب الله " .

178 - حدثني محمود بن خداش الطالقاني ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، قال : حدثنا علي والحسن ابنا صالح ، جميعا ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء والأرض . [ ص: 174 ]

179 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد : قل يا محمد : [ ص: 175 ] ( اهدنا الصراط المستقيم ) يقول : ألهمنا الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج له .

180 - حدثنا موسى بن سهل الرازي ، قال : حدثنا يحيى بن عوف ، عن الفرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : ذلك الإسلام .

181 - حدثني محمود بن خداش ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن إسماعيل الأزرق ، عن أبي عمر البزار ، عن ابن الحنفية ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره .

182 - حدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن طلحة القناد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي - في خبر ذكره - عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : هو الإسلام

183 - حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : الطريق .

184 - حدثنا عبد الله بن كثير أبو صديف الآملي ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، قال : حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم ، عن أبي العالية ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، قال : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر . قال : فذكرت ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح [ ص: 176 ]

185 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : " اهدنا الصراط المستقيم " ، قال : الإسلام .

186 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، أن عبد الرحمن بن جبير ، حدثه عن أبيه ، عن نواس بن سمعان الأنصاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما " . والصراط : الإسلام .

187 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا الليث ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن نواس بن سمعان الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله . [ ص: 177 ]

قال أبو جعفر : وإنما وصفه الله بالاستقامة ، لأنه صواب لا خطأ فيه . وقد زعم بعض أهل الغباء ، أنه سماه مستقيما ، لاستقامته بأهله إلى الجنة . وذلك تأويل لتأويل جميع أهل التفسير خلاف ، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلا على خطئه .

التالي السابق


الخدمات العلمية