القول في 
تأويل قوله تعالى : ( ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون  ( 6 ) 
وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم  ( 7 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ولكم في هذه الأنعام والمواشي التي خلقها لكم ( 
جمال حين تريحون  ) يعني : تردونها بالعشي من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها ولذلك سمي المكان المراح ، لأنها تراح إليه عشيا فتأوي إليه ، يقال منه : أراح فلان ماشيته فهو يريحها إراحة ، وقوله : ( 
وحين تسرحون  ) يقول : وفي وقت إخراجكموها غدوة من مراحها إلى مسارحها ، يقال منه : سرح فلان ماشيته يسرحها تسريحا ، إذا أخرجها للرعي غدوة ، وسرحت الماشية : إذا خرجت للمرعى تسرح سرحا وسروحا ، فالسرح بالغداة ، والإراحة بالعشي ، ومنه قول الشاعر : 
كأن بقايا الأتن فوق متونه مدب الدبي فوق النقا وهو سارح وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر بن معاذ ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله ( 
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون  ) وذلك  
[ ص: 170 ] أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها ، طوالا أسنمتها ، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها  . 
حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
محمد بن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   ( 
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون  ) قال : إذا راحت كأعظم ما تكون أسنمة ، وأحسن ما تكون ضروعا  . 
وقوله : ( 
وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس  ) يقول : وتحمل هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد آخر لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد ، ومشقة عظيمة . كما حدثنا 
أحمد بن إسحاق ،  قال : ثنا 
أبو أحمد ،  قال : ثنا 
شريك ،  عن 
جابر ،  عن 
عكرمة   ( 
وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس  ) قال : لو تكلفونه لم تبلغوه إلا بجهد شديد  . 
حدثنا 
ابن وكيع ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ،  عن 
شريك ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة   ( 
إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس  ) قال : لو كلفتموه لم تبلغوه إلا بشق الأنفس  . 
حدثني 
المثنى ،  قال : ثنا 
الحماني ،  قال : ثنا 
شريك ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة   ( 
إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس  ) قال : البلد : 
مكة   . 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء  وحدثني 
المثنى ،  قال : أخبرنا 
أبو حذيفة ،  قال : ثنا 
شبل  وحدثني 
المثنى  ، قال : أخبرنا 
إسحاق ،  قال : ثنا 
عبد الله ،  عن 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قول الله ( 
إلا بشق الأنفس  ) قال : مشقة عليكم  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد  ، قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله ( 
وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس  ) يقول : بجهد الأنفس  . 
حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
محمد بن ثور ،  عن 
معمر  ، عن 
قتادة ،  بنحوه .  
[ ص: 171 ] واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار بكسر الشين ( 
إلا بشق الأنفس  ) سوى 
أبي جعفر القارئ ،  فإن 
المثنى  حدثني ، قال : ثنا 
إسحاق ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن بن أبي حماد ،  قال : ثني 
أبو سعيد الرازي ،  عن 
أبي جعفر  قارئ 
المدينة ،  أنه كان يقرأ "لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" بفتح الشين ، وكان يقول : إنما الشق : شق النفس . وقال 
ابن أبي حماد   : وكان 
معاذ الهراء  يقول : هي لغة ، تقول العرب بشق وبشق ، وبرق وبرق . 
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار وهي كسر الشين ، لإجماع الحجة من القراء عليه وشذوذ ما خالفه ، وقد ينشد هذا البيت بكسر الشين وفتحها ، وذلك قول الشاعر : 
وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودءوب و"من شقها" أيضا بالكسر والفتح ، وكذلك قول 
العجاج   : 
أصبح مسحول يوازي شقا 
و"شقا" بالفتح والكسر . ويعني بقوله "يوازي شقا" : يقاسي مشقة . وكان بعض أهل العربية يذهب بالفتح إلى المصدر من شققت عليه أشق شقا ، وبالكسر إلى الاسم . وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا بالكسر أرادوا إلا بنقص من القوة وذهاب شيء منها حتى لا يبلغه إلا بعد نقصها ، فيكون معناه عند ذلك : لم تكونوا بالغيه إلا بشق قوى أنفسكم ، وذهاب شقها الآخر ، ويحكى عن العرب : خذ هذا الشق : لشقة الشاة بالكسر ، فأما في شقت عليك شقا فلم يحك فيه إلا النصب . 
وقوله : ( 
إن ربكم لرءوف رحيم  ) يقول تعالى ذكره : إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ، ورحمة ، من رحمته بكم ، خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم ، وخلق السماوات والأرض أدلة لكم على وحدانية ربكم ومعرفة إلهكم ،  
[ ص: 172 ] لتشكروه على نعمه عليكم ، فيزيدكم من فضله .