القول في تأويل قوله تعالى : ( 
ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله جل ثناؤه : ( آتينا موسى الكتاب ) : أنزلناه إليه . وقد بينا أن معنى "الإيتاء " الإعطاء ، فيما مضى قبل .  
[ ص: 318 ] و " 
الكتاب " الذي آتاه الله موسى  عليه السلام ، هو التوراة . 
وأما قوله : ( وقفينا ) ، فإنه يعني : وأردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض ، كما يقفو الرجل الرجل : إذا سار في أثره من ورائه . وأصله من "القفا " ، يقال منه : "قفوت فلانا : إذا صرت خلف قفاه ، كما يقال : "دبرته " : إذا صرت في دبره . 
ويعني بقوله : ( من بعده ) ، من بعد 
موسى   . 
ويعني ب ( الرسل ) : الأنبياء ، وهم جمع "رسول " . يقال : "هو رسول وهم رسل " ، كما يقال : "هو صبور وهم قوم صبر ، وهو رجل شكور وهم قوم شكر . 
وإنما يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( وقفينا من بعده بالرسل ) ، أي أتبعنا بعضهم بعضا على منهاج واحد وشريعة واحدة ؛ لأن كل من بعثه الله نبيا بعد 
موسى  صلى الله عليه وسلم إلى زمان 
عيسى ابن مريم  ، فإنما بعثه يأمر بني إسرائيل بإقامة التوراة ، والعمل بما فيها ، والدعاء إلى ما فيها ؛ فلذلك قيل : ( وقفينا من بعده بالرسل ) ، يعني على منهاجه وشريعته ، والعمل بما كان يعمل به .