1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النحل
  4. القول في تأويل قوله تعالى "بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ( 44 ) )

يقول تعالى ذكره : أرسلنا بالبينات والزبر رجالا نوحي إليهم .

فإن قال قائل : وكيف قيل بالبينات والزبر ، وما الجالب لهذه الباء في قوله ( بالبينات ) فإن قلت : جالبها قوله ( أرسلنا ) وهي من صلته ، فهل يجوز أن تكون صلة "ما" قبل "إلا" بعدها؟ وإن قلت : جالبها غير ذلك ، فما هو؟ وأين الفعل الذي جلبها ، قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعضهم : الباء التي في قوله ( بالبينات ) من صلة أرسلنا ، وقال : إلا في هذا الموضع ، ومع الجحد والاستفهام في كل موضع بمعنى غير ، وقال : معنى الكلام : وما أرسلنا من قبلكم بالبينات والزبر غير رجال نوحي إليهم ، ويقول على ذلك : ما ضرب إلا أخوك زيدا ، وهل كلم إلا أخوك عمرا ، بمعنى : ما ضرب زيدا غير أخيك ، وهل كلم عمرا إلا أخوك؟ ويحتج في ذلك بقول أوس بن حجر :


أبني لبينى لستم بيد إلا يد ليست لها عضد

ويقول : لو كانت "إلا" بغير معنى لفسد الكلام ، لأن الذي خفض الباء قبل [ ص: 210 ] إلا لا يقدر على إعادته بعد إلا لخفض اليد الثانية ، ولكن معنى إلا معنى غير ، ويستشهد أيضا بقول الله عز وجل ( لو كان فيهما آلهة إلا الله ) ويقول : إلا بمعنى غير في هذا الموضع ، وكان غيره يقول : إنما هذا على كلامين ، يريد : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أرسلنا بالبينات والزبر ، قال : وكذلك قول القائل : ما ضرب إلا أخوك زيدا معناه : ما ضرب إلا أخوك ، ثم يبتدئ ضرب زيدا ، وكذلك ما مر إلا أخوك بزيد ما مر إلا أخوك ، ثم يقول : مر بزيد ، ويستشهد على ذلك ببيت الأعشى :


وليس مجيرا إن أتى الحي خائف     ولا قائلا إلا هو المتعيبا

ويقول : لو كان ذلك على كلمة لكان خطأ ، لأن المتعيبا من صلة القائل ، ولكن جاز ذلك على كلامين وكذلك قول الآخر [ ص: 211 ] :


نبئتهم عذبوا بالنار جارهم     وهل يعذب إلا الله بالنار

فتأويل الكلام إذن : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر ، وأنزلنا إليك الذكر . والبينات : هي الأدلة والحجج التي أعطاها الله رسله أدلة على نبوتهم شاهدة لهم على حقيقة ما أتوا به إليهم من عند الله . والزبر : هي الكتب ، وهي جمع زبور ، من زبرت الكتاب وذبرته : إذا كتبته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( بالبينات والزبر ) قال : الزبر : الكتب .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( بالبينات والزبر ) قال : الآيات . والزبر : الكتب .

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الزبر : الكتب .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( بالزبر ) يعني : بالكتب .

وقوله : ( وأنزلنا إليك الذكر ) يقول : وأنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم ، ( لتبين للناس ) يقول : لتعرفهم ما أنزل إليهم من ذلك ( ولعلهم يتفكرون ) يقول : وليتذكروا فيه ويعتبروا به أي بما أنزلنا إليك ، وقد حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا الثوري ، قال : قال مجاهد ( ولعلهم يتفكرون ) قال : يطيعون .

التالي السابق


الخدمات العلمية