القول في 
تأويل قوله تعالى : ( فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين  ( 82 ) 
يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون  ( 83 ) ) 
يقول تعالى ذكره لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم : فإن أدبر هؤلاء المشركون يا 
محمد  عما أرسلتك به إليهم من الحق ، فلم يستجيبوا لك وأعرضوا عنه ، فما عليك من لوم ولا عذل لأنك قد أديت ما عليك في ذلك ، إنه ليس عليك إلا بلاغهم ما أرسلت به . ويعني بقوله ( المبين ) الذي يبين لمن سمعه حتى يفهمه . 
وأما قوله ( 
يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها  ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها ، فقال بعضهم : هو النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوته ثم جحدوها وكذبوه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن ،  قال : ثنا 
سفيان ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   ( 
يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها  ) قال : 
محمد  صلى الله  
[ ص: 273 ] عليه وسلم . 
حدثنا 
ابن وكيع ،  قال : ثنا أبي ، عن 
سفيان ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  مثله . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله ، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم ، ولكنهم ينكرون ذلك ، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى  وحدثنا 
المثنى ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء  وحدثني 
المثنى ،  قال : ثنا 
أبو حذيفة ،  قال : ثنا 
شبل  وحدثني 
المثنى ،  قال : ثنا 
إسحاق ،  قال : ثنا 
عبد الله ،  عن 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   ( 
يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها  ) قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها ، والسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار 
قريش ،  ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا ، فروحونا إياه . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد ،  بنحوه ، إلا أنه قال : فورثونا إياها . وزاد في الحديث عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : قال 
عبد الله بن كثير   : يعلمون أن الله خلقهم وأعطاهم ما أعطاهم ، فهو معرفتهم نعمته ثم إنكارهم إياها وكفرهم بعد . 
وقال آخرون في ذلك ، ما حدثنا 
ابن وكيع ،  قال : ثنا 
معاوية ،  عن 
عمرو ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11816أبي إسحاق الفزاري ،  عن 
ليث ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16735عون بن عبد الله بن عتبة   ( 
يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها  ) قال : إنكارهم إياها ، أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا . 
وقال آخرون : معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم : من رزقكم؟ أقروا بأن الله هو الذي رزقهم ، ثم ينكرون ذلك بقولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : عنى بالنعمة التي ذكرها الله في قوله ( 
يعرفون نعمة الله  ) النعمة عليهم بإرسال 
محمد  صلى الله عليه وسلم إليهم داعيا إلى ما بعثه بدعائهم إليه ، وذلك أن هذه الآية  
[ ص: 274 ] بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما بعث به ، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده ، إذ لم يكن معنى يدل على انصرافه عما قبله وعما بعده فالذي قبل هذه الآية قوله ( 
فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها  ) وما بعده ( 
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا  ) وهو رسولها . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية : يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يا 
محمد  بك ، ثم ينكرونك ويجحدون نبوتك ( 
وأكثرهم الكافرون  ) يقول : وأكثر قومك الجاحدون نبوتك ، لا المقرون بها .