صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ( 94 ) )

[ ص: 288 ] يقول تعالى ذكره : ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دخلا وخديعة بينكم ، تغرون بها الناس ( فتزل قدم بعد ثبوتها ) يقول : فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين . وإنما هذا مثل لكل مبتلى بعد عافية ، أو ساقط في ورطة بعد سلامة ، وما أشبه ذلك : ( زلت قدمه ) ، كما قال الشاعر :


سيمنع منك السبق إن كنت سابقا وتطلع إن زلت بك النعلان

وقوله : ( وتذوقوا السوء ) يقول : وتذوقوا أنتم السوء وذلك السوء : هو عذاب الله الذي يعذب به أهل معاصيه في الدنيا ، وذلك بعض ما عذب به أهل الكفر ( بما صددتم عن سبيل الله ) يقول : بما فتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان ( ولكم عذاب عظيم ) في الآخرة ، وذلك نار جهنم ، وهذه الآية تدل على أن تأويل بريدة الذي ذكرنا عنه ، في قوله ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ) والآيات التي بعدها ، أنه عنى بذلك : الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، عن مفارقة الإسلام لقلة أهله ، وكثرة أهل الشرك هو الصواب ، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به ، لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم ، صد عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى ، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعلي ذلك ، أنهم باتخاذهم الأيمان دخلا بينهم ، ونقضهم الأيمان بعد توكيدها ، صادون عن سبيل الله ، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها ، وهذه صفة أهل الكفر بالله لا صفة أهل النقلة بالحلف عن قوم إلى قوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية