القول في 
تأويل قوله تعالى : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا  ( 24 ) ) 
يقول تعالى ذكره : وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية ، ولا تخالفهما فيما أحبا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن ،  قال : ثنا 
سفيان ،  عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله : ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة  ) قال : لا تمتنع من شيء يحبانه . 
حدثنا 
أبو كريب ،  قال : ثنا الأشجعي ، قال : سمعت هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة  ) قال : هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحباه . 
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة  ) قال : لا تمتنع من شيء أحباه . 
حدثني يعقوب ، قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن عبد الله بن المختار ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة  ) قال : هو أن لا تمتنع من شيء يريدانه .  
[ ص: 419 ] 
حدثنا 
أبو كريب ،  قال : ثنا المقرئ 
أبو عبد الرحمن ،  عن حرملة بن عمران ، عن أبي الهداج ، قال : قلت 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990لسعيد بن المسيب   : ما قوله ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة  ) قال : ألم تر إلى قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ . والذل بضم الذال والذلة مصدران من الذليل ، وذلك أن يتذلل ، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل : قد ذللت لك أذل ذلة وذلا وذلك نظير القل والقلة ، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذل ، والقاف من القل ، وإذا أثبتت الهاء كسرت الذال من الذلة ، والقاف من القلة ، لما قال الأعشى : 
وما كنت قلا قبل ذلك أزيبا 
يريد : القلة ، وأما الذل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذلول من قولهم : دابة ذلول : بينة الذل ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة . 
ومنه قول الله جل ثناؤه ( 
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا  ) يجمع ذلك ذللا كما قال جل ثناؤه ( 
فاسلكي سبل ربك ذللا  ) . وكان مجاهد يتأول ذلك أنه لا يتوعر عليها مكان سلكته . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز 
والعراق  والشام   ( 
واخفض لهما جناح الذل  ) بضم الذال على أنه مصدر من الذليل . وقرأ ذلك 
سعيد بن جبير  وعاصم الجحدري   : ( جناح الذل ) بكسر الذال . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا بهز بن أسد ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن أبي  
[ ص: 420 ] بشر ،  عن 
سعيد بن جبير  أنه قرأ ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة  ) قال : كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذلولا . 
حدثنا نصر بن 
علي ،  قال : أخبرني عمر بن شقيق ، قال : سمعت 
عاصما الجحدري  يقرأ ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) قال : كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذلولا . 
حدثنا 
ابن بشار ،  قال : ثنا عمر بن شقيق ، عن 
عاصم ،  مثله . 
قال 
أبو جعفر   : وعلى هذا التأويل الذي تأوله 
عاصم  كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها وبكسرها . 
حدثنا نصر 
وابن بشار ،  وحدثت عن الفراء ، قال : ثني 
هشيم ،  عن أبي بشر جعفر بن إياس . عن 
سعيد بن جبير ،  أنه قرأ ( واخفض لهما جناح الذل ) قال الفراء : وأخبرني الحكم بن ظهير ، عن 
عاصم بن أبى النجود ،  أنه قرأها الذل أيضا ، فسألت أبا بكر فقال : الذل قرأها 
عاصم   . 
وأما قوله ( 
وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا  ) فإنه يقول : ادع الله لوالديك بالرحمة ، وقل رب ارحمهما ، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك ، كما تعطفا علي في صغري ، فرحماني وربياني صغيرا ، حتى استقللت بنفسي ، واستغنيت عنهما . 
كما حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا  ) هكذا علمتم ، وبهذا أمرتم ، خذوا تعليم الله وأدبه ، ذكر لنا " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو ماد يديه رافع صوته يقول : من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه " . ولكن كانوا يرون أنه من بر والديه ، وكان فيه أدنى تقى ، فإن ذلك مبلغه جسيم الخير ، وقال جماعة من أهل العلم : إن قول الله جل ثناؤه ( 
وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا  ) منسوخ بقوله ( 
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم  ) . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي بن داود ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال :  
[ ص: 421 ] ثني 
معاوية  ، عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  قوله ( 
وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا  ) ثم أنزل الله عز وجل بعد هذا ( 
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى  ) . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح  ، قال : ثنا 
الحسين ،  عن 
يزيد ،  عن 
عكرمة  ، قال في سورة 
بني إسرائيل   ( إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ) . . . . إلى قوله ( 
وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا  ) فنسختها الآية التي في براءة ( 
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى  ) . . . الآية . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال 
ابن عباس   ( 
وقل رب ارحمهما  ) . . . . الآية ، قال : نسختها الآية التي في براءة ( 
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين  ) . . . الآية . 
وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عاما في كل الآباء بغير معنى النسخ ، بأن يكون تأويلها على الخصوص ، فيكون معنى الكلام : وقل رب ارحمهما إذا كانا مؤمنين ، كما ربياني صغيرا ، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء . وعنى بقوله ربياني : نمياني .