[ ص: 13 ] القول في البيان عن 
الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب  وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم 
قال 
أبو جعفر   : إن سألنا سائل فقال : إنك ذكرت أنه غير جائز أن يخاطب الله تعالى ذكره أحدا من خلقه إلا بما يفهمه ، وأن يرسل إليه رسالة إلا باللسان الذي يفقهه . . . . . 
1 - فما أنت قائل فيما حدثكم به 
 nindex.php?page=showalam&ids=16949محمد بن حميد الرازي ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15738حكام بن سلم ،  قال : حدثنا 
عنبسة ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
أبي الأحوص  عن 
أبي موسى :   ( 
يؤتكم كفلين من رحمته  ) [ سورة الحديد : 28 ] ، قال : الكفلان : ضعفان من الأجر ، بلسان 
الحبشة   . 
2 - وفيما حدثكم به 
ابن حميد ،  قال : حدثنا 
حكام ،  عن 
عنبسة ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس :   ( 
إن ناشئة الليل  ) [ سورة المزمل : 6 ] قال : بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا : نشأ . 
3 - وفيما حدثكم به 
ابن حميد  قال : حدثنا 
حكام ،  قال : حدثنا 
عنبسة ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
أبي ميسرة :   ( 
يا جبال أوبي معه  ) قال : سبحي ، بلسان الحبشة ؟ 
قال 
أبو جعفر   : وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم " فقد حدثونا به .  
[ ص: 14 ] 
4 - وفيما حدثكم به 
محمد بن خالد بن خداش الأزدي ،  قال : حدثنا 
سلم بن قتيبة ،  قال : حدثنا 
حماد بن سلمة  عن 
علي بن زيد ،  عن 
يوسف بن مهران ،  عن 
ابن عباس  رضي الله عنهما أنه سأل عن قوله : ( 
فرت من قسورة  ) [ سورة المدثر : 51 ] قال : هو بالعربية الأسد ، وبالفارسية شار ، وبالنبطية أريا ، وبالحبشية قسورة . 
5 - وفيما حدثكم به 
ابن حميد  قال : حدثنا 
يعقوب القمي ،  عن 
جعفر بن أبي المغيرة ،  عن 
سعيد بن جبير  قال : قالت 
قريش   : لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : ( 
لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء  ) [ سورة فصلت : 44 ] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فيه . ( 
حجارة من سجيل  ) [ سورة هود : 82 ، وسورة الحجر : 74 ] قال : فارسية أعربت سنك وكل . 
6 - وفيما حدثكم به 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ،  قال : حدثنا 
عبد الرحمن بن مهدي ،  قال : حدثنا 
إسرائيل ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
أبي ميسرة ،  قال : في القرآن من كل لسان . 
وفيما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكرها الكتاب ، مما يدل على أن فيه من غير لسان 
العرب  ؟ 
قيل له : إن الذي قالوه من ذلك غير خارج من معنى ما قلنا - من أجل أنهم لم يقولوا : هذه الأحرف وما أشبهها لم تكن للعرب كلاما ، ولا كان ذاك  
[ ص: 15 ] لها منطقا قبل نزول القرآن ، ولا كانت بها 
العرب  عارفة قبل مجيء الفرقان - فيكون ذلك قولا لقولنا خلافا . وإنما قال بعضهم : حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا ، وحرف كذا بلسان العجم معناه كذا . ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد ، فكيف بجنسين منها ؟ كما وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة ، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس ، وغير ذلك - مما يتعب إحصاؤه ويمل تعداده ، كرهنا إطالة الكتاب بذكره - مما اتفقت فيه الفارسية والعربية باللفظ والمعنى . ولعل ذلك كذلك في سائر الألسن التي نجهل منطقها ولا نعرف كلامها . 
فلو أن قائلا قال - فيما ذكرنا من الأشياء التي عددنا وأخبرنا اتفاقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية ، وما أشبه ذلك مما سكتنا عن ذكره - : ذلك كله فارسي لا عربي ، أو ذلك كله عربي لا فارسي ، أو قال : بعضه عربي وبعضه فارسي ، أو قال : كان مخرج أصله من عند 
العرب  فوقع إلى العجم فنطقوا به ، أو قال : كان مخرج أصله من عند 
الفرس  فوقع إلى 
العرب  فأعربته - كان مستجهلا ، لأن 
العرب  ليست بأولى أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العجم ، ولا العجم أحق أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى 
العرب  ، إذ كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجودا في الجنسين . 
وإذ كان ذلك موجودا على ما وصفنا في الجنسين ، فليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر . والمدعي أن مخرج أصل ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى الآخر ، مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم ، ويزيل الشك ، ويقطع العذر صحته .  
[ ص: 16 ] 
بل الصواب في ذلك عندنا : أن يسمى : عربيا أعجميا ، أو حبشيا عربيا ، إذ كانت الأمتان له مستعملتين - في بيانها ومنطقها - استعمال سائر منطقها وبيانها . فليس غير ذلك من كلام كل أمة منهما ، بأولى أن يكون إليها منسوبا - منه . 
فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها ، ووجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمال سائر منطقهم ، فسبيل إضافته إلى كل جنس منها ، سبيل ما وصفنا - من الدرهم والدينار والدواة والقلم ، التي اتفقت ألسن 
الفرس  والعرب  فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد ، في أنه مستحق إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس - اجتماع واقتران . 
وذلك هو معنى من روينا عنه القول في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب ، من نسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الحبشة ، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان 
الفرس  ، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الروم . لأن من نسب شيئا من ذلك إلى ما نسبه إليه ، لم ينف - بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه - أن يكون عربيا ، ولا من قال منهم : هو عربي ، نفى ذلك أن يكون مستحقا النسبة إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها . وإنما يكون الإثبات دليلا على النفي ، فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني ، كقول القائل : فلان قائم ، فيكون بذلك من قوله دالا على أنه غير قاعد ، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما . فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى . وذلك كقول القائل فلان قائم مكلم فلانا ، فليس في تثبيت القيام له ما دل على نفي كلام آخر ،  
[ ص: 17 ] لجواز اجتماع ذلك في حال واحد من شخص واحد . فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به . 
فكذلك ما قلنا - في الأحرف التي ذكرنا وما أشبهها - غير مستحيل أن يكون عربيا بعضها أعجميا ، وحبشيا بعضها عربيا ، إذ كان موجودا استعمال ذلك في كلتا الأمتين . فناسب ما نسب من ذلك إلى إحدى الأمتين أو كلتيهما محق غير مبطل . 
فإن ظن ذو غباء أن اجتماع ذلك في الكلام مستحيل - كما هو مستحيل في أنساب بني آدم - فقد ظن جهلا . وذلك أن أنساب بني آدم محصورة على أحد الطرفين دون الآخر ، لقول الله تعالى ذكره : ( 
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله  ) [ سورة الأحزاب : 5 ] . وليس ذلك كذلك في المنطق والبيان ، لأن المنطق إنما هو منسوب إلى من كان به معروفا استعماله . فلو عرف استعمال بعض الكلام في أجناس من الأمم - جنسين أو أكثر - بلفظ واحد ومعنى واحد ، كان ذلك منسوبا إلى كل جنس من تلك الأجناس ، لا يستحق جنس منها أن يكون به أولى من سائر الأجناس غيره . كما لو أن أرضا بين سهل وجبل ، لها هواء السهل وهواء الجبل ، أو بين بر وبحر ، لها هواء البر وهواء البحر - لم يمتنع ذو عقل صحيح أن يصفها بأنها سهلية جبلية . أو بأنها برية بحرية ، إذ لم تكن نسبتها إلى إحدى صفتيها نافية حقها من النسبة إلى الأخرى . ولو أفرد لها مفرد إحدى صفتيها ولم يسلبها صفتها الأخرى ، كان صادقا محقا . 
وكذلك القول في الأحرف التي تقدم ذكرناها في أول هذا الباب . 
وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك ، هو معنى قول من قال : في القرآن من كل لسان - عندنا بمعنى ، والله أعلم : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ 
العرب  ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به ، نظير ما وصفنا من القول فيما مضى .  
[ ص: 18 ] 
وذلك أنه غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة ، مقر بكتاب الله ، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله - أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي ، وبعضه نبطي لا عربي ، وبعضه رومي لا عربي ، وبعضه حبشي لا عربي ، بعدما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا . لأن ذلك إن كان كذلك ، فليس قول القائل : القرآن حبشي أو فارسي ، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانه دون 
العرب   - بأولى بالتطويل من قول القائل : هو عربي . ولا قول القائل : هو عربي بأولى بالصحة والصواب من  
[ ص: 19 ] قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا . إذ كان الذي بلسان غير 
العرب  من سائر ألسن أجناس الأمم فيه ، نظير الذي فيه من لسان 
العرب   . 
وإذا كان ذلك كذلك ، فبين إذا خطأ من زعم أن القائل من السلف : في القرآن من كل لسان ، إنما عني بقيله ذلك ، أن فيه من البيان ما ليس بعربي ، ولا جائز نسبته إلى لسان 
العرب   . 
ويقال لمن أبى ما قلنا - ممن زعم أن الأحرف التي قدمنا ذكرها في أول الباب وما أشبهها ، إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى 
العرب  ، وقعت إلى 
العرب  فعربته - : ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك ، من الوجه الذي يجب التسليم له ، فقد علمت من خالفك في ذلك ، فقال فيه خلاف قولك ؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال : هذه الأحرف ، وما أشبهها من الأحرف غيرها ، أصلها عربي ، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها - من الوجه الذي يجب التسليم له ؟ 
فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . 
فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها ، طولب  
[ ص: 20 ]  - مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله - بالذي قد تقدم بيانه . وقيل له : ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى 
العرب  ، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق ، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى ؟ ثم يقال له : أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية : هي سهلية ، ولم ينكر أن تكون جبلية ، أو قال : هي جبلية ، ولم يدفع أن تكون سهلية ، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك ؟ 
فإن قال : نعم! كابر عقله . وإن قال : لا قيل له : فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل : هي فارسية ، وفي القسطاس : هي رومية - نظير ذلك ؟ وسأل الفرق بين ذلك ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .