صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ( 43 ) تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ( 44 ) )

وهذا تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه عما وصفه به المشركون ، الجاعلون معه آلهة غيره ، المضيفون إليه البنات ، فقال : تنزيها لله وعلوا له عما تقولون أيها القوم ، من الفرية والكذب ، فإن ما تضيفون إليه من هذه الأمور ليس من صفته ، ولا ينبغي أن يكون له صفة .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان . وقال تعالى ( عما يقولون علوا ) ولم يقل : تعاليا ، كما قال ( وتبتل إليه تبتيلا ) كما قال الشاعر :


أنت الفداء لكعبة هدمتها ونقرتها بيديك كل منقر     منع الحمام مقيله من سقفها
ومن الحطيم فطار كل مطير

[ ص: 455 ]

وقوله ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ) يقول :

تنزه الله أيها المشركون عما وصفتموه به إعظاما له وإجلالا السماوات السبع والأرض ، ومن فيهن من المؤمنين به من الملائكة والإنس والجن ، وأنتم مع إنعامه عليكم ، وجميل أياديه عندكم ، تفترون عليه بما تفترون .

وقوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) يقول جل ثناؤه :

وما من شيء من خلقه إلا يسبح بحمده .

كما حدثني به نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا محمد بن يعلى ، عن موسى بن عبيدة ، عن زيد بن أسلم ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحا قال لابنه يا بني آمرك أن تقول سبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق ، وتسبيح الخلق ، وبها ترزق الخلق ، قال الله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عيسى بن عبيد ، قال : سمعت عكرمة يقول : لا يعيبن أحدكم دابته ولا ثوبه ، فإن كل شيء يسبح بحمده .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قال : الشجرة تسبح ، والأسطوانة تسبح .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح وزيد بن حباب ، قالا ثنا [ ص: 456 ] جرير أبو الخطاب ، قال : كنا مع يزيد الرقاشي ومعه الحسن في طعام ، فقدموا الخوان ، فقال يزيد الرقاشي : يا أبا سعيد يسبح هذا الخوان : فقال : كان يسبح مرة .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، ويونس ، عن الحسن أنهما قالا في قوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قالا كل شيء فيه الروح .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : الطعام يسبح .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قال : كل شيء فيه الروح يسبح ، من شجر أو شيء فيه الروح .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبد الله بن أبي ، عن عبد الله بن عمرو ، أن الرجل إذا قال : لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لا يقبل الله من أحد عملا حتى يقولها ، فإذا قال : الحمد لله ، فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبدا قط حتى يقولها ، فإذا قال : الله أكبر ، فهي تملأ ما بين السماء والأرض ، فإذا قال : سبحان الله ، فهي صلاة الخلائق التي لم يدع الله أحدا من خلقه إلا نوره بالصلاة والتسبيح ، فإذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، قال : أسلم عبدي واستسلم .

وقوله ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) يقول تعالى ذكره : ولكن لا تفقهون تسبيح ما عدا تسبيح من كان يسبح بمثل ألسنتكم ( إنه كان حليما ) يقول : إن الله كان حليما لا يعجل على خلقه ، الذين يخالفون أمره ، ويكفرون به ، ولولا ذلك لعاجل هؤلاء المشركين الذين يدعون معه الآلهة والأنداد بالعقوبة ( غفورا ) يقول : ساترا عليهم ذنوبهم ، إذا هم تابوا منها بالعفو منه لهم .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إنه كان حليما ) عن خلقه ، فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض ( غفورا ) لهم إذا تابوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية