صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون )

يقول تعالى ذكره : وما منعنا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك ، إلا أن كان من قبلهم من الأمم المكذبة ، سألوا ذلك مثل سؤالهم; فلما آتاهم ما سألوا منه كذبوا رسلهم ، فلم يصدقوا مع مجيء الآيات ، فعوجلوا فلم نرسل إلى قومك بالآيات ، لأنا لو أرسلنا بها إليها ، فكذبوا بها ، سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلها .

وبالذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال ، فيزرعوا ، فقيل له : إن شئت أن نستأني بهم لعلنا نجتني منهم ، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم ، [ ص: 477 ] قال : بل تستأني بهم ، فأنزل الله ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة ) .

حدثني إسحاق بن وهب ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا مسعود بن عباد ، عن مالك بن دينار ، عن الحسن في قول الله تعالى ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) قال : رحمة لكم أيتها الأمة ، إنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها ، أصابكم ما أصاب من قبلكم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال المشركون لمحمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء ، فمنهم من سخرت له الريح . ومنهم من كان يحيي الموتى ، فإن سرك أن نؤمن بك ونصدقك ، فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبا . فأوحى الله إليه : إني قد سمعت الذي قالوا ، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا ، فإن لم يؤمنوا نزل العذاب ، فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة ، وإن شئت أن تستأني قومك استأنيت بها ، قال : يا رب أستأني .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) قال : قال أهل مكة لنبي الله صلى الله عليه وسلم : إن كان ما تقول حقا . ويسرك أن نؤمن ، فحول لنا الصفا ذهبا ، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم يناظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك ، قال : بل أستأني بقومي . فأنزل الله ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ) وأنزل الله عز وجل ( ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون ) .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، أنهم سألوا أن يحول الصفا ذهبا ، قال الله ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) قال ابن جريج : لم يأت قرية بآية فيكذبوا بها إلا عذبوا ، فلو جعلت لهم الصفا ذهبا ثم لم يؤمنوا عذبوا ، و " أن " الأولى التي مع منعنا ، في موضع نصب بوقوع منعنا عليها ، وأن الثانية رفع ، لأن معنى الكلام : وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين من الأمم ، فالفعل : لأن الثانية .

التالي السابق


الخدمات العلمية