صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ( 101 ) )

يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا موسى بن عمران تسع آيات بينات تبين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوته .

وقد اختلف أهل التأويل فيهن وما هن .

فقال بعضهم في ذلك ما حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) قال : التسع الآيات البينات : يده ، وعصاه ، ولسانه ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) إلقاء العصا مرتين عند فرعون ، ونزع يده ، والعقدة التي كانت بلسانه ، وخمس آيات في الأعراف : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .

وقال آخرون نحوا من هذا القول ، غير أنهم جعلوا آيتين منهن : إحداهما الطمسة ، والأخرى الحجر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن [ ص: 565 ] إسحاق ، عن بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : سألني عمر بن عبد العزيز ، عن قوله ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) فقلت له : هي الطوفان والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، وعصاه ، والطمسة ، والحجر ، فقال : وما الطمسة ؟ فقلت : دعا موسى وأمن هارون ، فقال : قد أجيبت دعوتكما ، وقال عمر : كيف يكون الفقه إلا هكذا . فدعا عمر بن عبد العزيز بخريطة كانت لعبد العزيز بن مروان أصيبت بمصر ، فإذا فيها الجوزة والبيضة والعدسة ما تنكر ، مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بمصر .

وقال آخرون نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا اثنتين منهن : إحداهما السنين ، والأخرى النقص من الثمرات .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ومطر الوراق ، في قوله ( تسع آيات ) قالا الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، والسنون ، ونقص من الثمرات .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، في قوله ( تسع آيات بينات ) قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، ونقصا من الثمرات ، وعصاه ، ويده .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سئل عطاء بن أبي رباح عن قوله ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) ما هي؟ قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وعصى موسى ، ويده .

قال : ابن جريج : وقال مجاهد مثل قول عطاء ، وزاد ( أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ) قال : هما التاسعتان ، ويقولون : التاسعتان : السنين ، وذهاب عجمة لسان موسى . [ ص: 566 ]

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، في قوله ( تسع آيات بينات ) وهي متتابعات ، وهي في سورة الأعراف ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ) قال : السنين في أهل البوادي ، ونقص من الثمرات لأهل القرى ، فهاتان آيتان ، والطوافان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، هذه خمس ، ويد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين من غير سوء : البرص ، وعصاه إذ ألقاها ، فإذا هي ثعبان مبين .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، قوله ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) قال : يد موسى ، وعصاه ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم والسنين ، ونقص من الثمرات .

وقال آخرون نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا السنين ، والنقص من الثمرات آية واحدة ، وجعلوا التاسعة : تلقف العصا ما يأفكون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله ( تسع آيات بينات ) ، ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ) قال : هذه آية واحدة ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، ويد موسى ، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين ، وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون .

وقال آخرون في ذلك ما حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى النبي حتى نسأله عن هذه الآية ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) قال : لا تقل له نبي ، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين ، قال : فسألا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ، أو قال : لا تفروا من [ ص: 567 ] الزحف " . شعبة الشاك : وأنتم يا يهود عليكم خاص لا تعدوا في السبت ، فقبلا يده ورجله ، وقالا نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخشى أن تقتلنا يهود " .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سهل بن يوسف وأبو داود وعبد الرحمن بن مهدي ، عن سعيد ، عن عمرو ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلا أن ابن مهدي قال : " لا تمشوا إلى ذي سلطان " وقال ابن مهدي : أراه قال : " ببرئ " .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الله بن إدريس وأبو أسامة بنحوه ، عن شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي ، فقال صاحبه : لا تقل نبي ، إنه لو سمعك كان له أربع أعين ، قال : فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسألانه عن تسع آيات بينات ، فقال : " هن : ولا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تولوا يوم الزحف ، وعليكم خاصة يهود : أن لا تعدوا في السبت ، قال : فقبلوا يديه ورجليه ، وقالوا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا : إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود " .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وأما قوله ( فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ) فإن عامة قراء الإسلام على قراءته على وجه الأمر بمعنى : فاسأل يا محمد بني إسرائيل إذ جاءهم موسى .

وروي عن الحسن البصري في تأويله ما حدثني به الحارث ، قال : ثنا [ ص: 568 ] القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن ( فاسأل بني إسرائيل ) قال : سؤالك إياهم : نظرك في القرآن .

وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : " فسأل " بمعنى : فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه على وجه الخبر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن حنظلة السدوسي ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : " فسأل بني إسرائيل إذ جاءهم " يعني أن موسى سأل فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه .

والقراءة التي لا أستجيز أن يقرأ بغيرها ، هي القراءة التي عليها قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء على تصويبها ، ورغبتهم عما خالفها .

وقوله ( فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ) يقول : فقال لموسى فرعون : إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر ، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك ، وقد يجوز أن يكون مرادا به إني لأظنك يا موسى ساحرا ، فوضع مفعول موضع فاعل ، كما قيل : إنك مشئوم علينا وميمون ، وإنما هو شائم ويامن ، وقد تأول بعضهم حجابا مستورا ، بمعنى : حجابا ساترا ، والعرب قد تخرج فاعلا بلفظ مفعول كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية