القول في تأويل قوله تعالى : ( 
قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين  ( 91 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني جل ذكره بقوله : ( 
قل فلم تقتلون أنبياء الله  ) ، قل يا 
محمد ،  ليهود بني إسرائيل - الذين إذا قلت لهم : آمنوا بما أنزل الله قالوا : نؤمن بما أنزل علينا - : لم تقتلون - إن كنتم يا معشر 
اليهود  مؤمنين بما أنزل الله عليكم - أنبياءه ، وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم ، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم؟ وذلك من الله جل ثناؤه تكذيب لهم في قولهم : ( 
نؤمن بما أنزل علينا  ) وتعيير لهم ، كما : - 
1560 - حدثني 
موسى  قال : حدثنا 
عمرو  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قال : قال الله تعالى ذكره - وهو يعيرهم - يعني 
اليهود   : ( 
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين  ) ؟ 
فإن قال قائل : وكيف قيل لهم : ( 
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل  ) ، فابتدأ الخبر على لفظ المستقبل ، ثم أخبر أنه قد مضى؟ 
قيل : إن أهل العربية مختلفون في تأويل ذلك . فقال بعض البصريين : معنى  
[ ص: 351 ] ذلك : فلم قتلتم أنبياء الله من قبل ، كما قال جل ثناؤه : ( 
واتبعوا ما تتلو الشياطين  ) [ سورة البقرة : 102 ] ، أي : ما تلت ، وكما قال الشاعر : 
ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت عنه وقلت لا يعنيني 
يريد بقوله : "ولقد أمر " ولقد مررت . واستدل على أن ذلك كذلك ، بقوله : "فمضيت عنه " ، ولم يقل : فأمضي عنه . وزعم أن "فعل " و"يفعل " قد تشترك في معنى واحد ، واستشهد على ذلك بقول الشاعر : 
وإني لآتيكم تشكر ما مضى     من الأمر ، واستيجاب ما كان في غد 
يعني بذلك : ما يكون في غد ، وبقول 
الحطيئة   : 
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه     أن الوليد أحق بالعذر 
 [ ص: 352 ] 
يعني : يشهد . وكما قال الآخر : 
فما أضحي ولا أمسيت إلا     أراني منكم في كوفان 
فقال : أضحي ، ثم قال : "ولا أمسيت " . 
وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما قيل : ( 
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل  ) ، فخاطبهم بالمستقبل من الفعل ، ومعناه الماضي ، كما يعنف الرجل الرجل على ما سلف منه من فعل فيقول له : ويحك ، لم تكذب؟ ولم تبغض نفسك إلى الناس؟ كما قال الشاعر :  
[ ص: 353 ] إذا ما انتسبنا ، لم تلدني لئيمة     ولم تجدي من أن تقري به بدا 
فالجزاء للمستقبل ، والولادة كلها قد مضت . وذلك أن المعنى معروف ، فجاز ذلك . قال : ومثله في الكلام : "إذا نظرت في سيرة 
عمر ،  لم تجده يسيء " . المعنى : لم تجده أساء . فلما كان أمر 
عمر  لا يشك في مضيه ، لم يقع في الوهم أنه مستقبل ؛ فلذلك صلحت "من قبل " مع قوله : ( 
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل  ) . قال : وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة ، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا ، فتولوهم على ذلك ورضوا به ، فنسب القتل إليهم . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب فيه من القول عندنا ، أن الله خاطب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل - بما خاطبهم في سورة البقرة وغيرها من سائر السور - بما سلف من إحسانه إلى أسلافهم ، وبما سلف من كفران أسلافهم نعمه ، وارتكابهم معاصيه ، واجترائهم عليه وعلى أنبيائه ، وأضاف ذلك إلى المخاطبين به ، نظير قول العرب بعضها لبعض : فعلنا بكم يوم كذا كذا وكذا ، وفعلتم بنا يوم كذا كذا وكذا - على نحو ما قد بيناه في غير موضع من كتابنا هذا - ، يعنون بذلك أن أسلافنا فعلوا ذلك بأسلافكم ، وأن أوائلنا فعلوا ذلك بأوائلكم . فكذلك ذلك في قوله : ( 
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل  ) ، إذ كان قد خرج على لفظ الخبر عن المخاطبين به خبرا من الله تعالى ذكره عن  
[ ص: 354 ] فعل السالفين منهم - على نحو الذي بينا - جاز أن يقال : "من قبل " ؛ إذ كان معناه : قل : فلم يقتل أسلافكم أنبياء الله من قبل "؟ وكان معلوما بأن قوله : ( 
فلم تقتلون أنبياء الله من قبل  ) ، إنما هو خبر عن فعل سلفهم . 
وتأويل قوله : ( من قبل ) ، أي : من قبل اليوم . 
وأما قوله : ( إن كنتم مؤمنين ) ، فإنه يعني : إن كنتم مؤمنين بما نزل الله عليكم كما زعمتم . وإنما عنى بذلك 
اليهود  الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم - إن كانوا وكنتم ، كما تزعمون أيها 
اليهود ،  مؤمنين . وإنما عيرهم جل ثناؤه بقتل أوائلهم أنبياءه ، عند قولهم حين قيل لهم : ( 
آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا  ) ؛ لأنهم كانوا لأوائلهم - الذين تولوا قتل أنبياء الله ، مع قيلهم : نؤمن بما أنزل علينا - متولين ، وبفعلهم راضين . فقال لهم : إن كنتم كما تزعمون مؤمنين بما أنزل عليكم ، فلم تتولون قتلة أنبياء الله؟ أي : ترضون أفعالهم .