1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الإسراء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا )

يقول تعالى ذكره : وبالحق أنزلنا هذا القرآن : يقول : أنزلناه نأمر فيه بالعدل والإنصاف والأخلاق الجميلة ، والأمور المستحسنة الحميدة ، وننهى فيه عن الظلم والأمور القبيحة ، والأخلاق الردية ، والأفعال الذميمة ( وبالحق نزل ) يقول : وبذلك نزل من عند الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله ( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا محمد إلى من أرسلناك إليه من عبادنا ، إلا مبشرا بالجنة من أطاعنا ، فانتهى إلى أمرنا ونهينا ، ومنذرا لمن عصانا وخالف أمرنا ونهينا ( وقرآنا فرقناه لتقرأه ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( فرقناه ) بتخفيف الراء من فرقناه ، بمعنى : أحكمناه وفصلناه وبيناه ، وذكر عن ابن عباس ، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء " فرقناه " بمعنى : نزلناه شيئا بعد شيء ، آية بعد آية ، وقصة بعد قصة . [ ص: 574 ]

وأولى القراءتين بالصواب عندنا ، القراءة الأولى ، لأنها القراءة التي عليها الحجة مجمعة ، ولا يجوز خلافها فيما كانت عليه مجمعة من أمر الدين والقرآن ، فإذا كان ذلك أولى القراءتين بالصواب ، فتأويل الكلام : وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ، وفصلناه قرآنا ، وبيناه وأحكمناه ، لتقرأه على الناس على مكث .

وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل ، قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وقرآنا فرقناه ) يقول : فصلناه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن أبي الربيع عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب أنه قرأ ( وقرآنا فرقناه ) مخففا : يعني بيناه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ( وقرآنا فرقناه ) قال : فصلناه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا بدل بن المحبر ، قال : ثنا عباد ، يعني ابن راشد ، عن داود ، عن الحسن أنه قرأ ( وقرآنا فرقناه ) خففها : فرق الله بين الحق والباطل .

وأما الذين قرءوا القراءة الأخرى ، فإنهم تأولوا ما قد ذكرت من التأويل .

ذكر من قال ما حكيت من التأويل عن قارئ ذلك كذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : كان ابن عباس يقرؤها : " وقرآنا فرقناه " مثقلة ، يقول : أنزل آية آية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ، قال ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) ، " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " . [ ص: 575 ]

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس " لم ينزل جميعا ، وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وقرآنا فرقناه ) قال : فرقه : لم ينزله جميعه . وقرأ ( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) . . . حتى بلغ ( وأحسن تفسيرا ) ينقض عليهم ما يأتون به .

وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول : نصب قوله ( وقرآنا ) بمعنى : ورحمة ، ويتأول ذلك ( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) ورحمة ، ويقول : جاز ذلك ، لأن القرآن رحمة ، ونصبه على الوجه الذي قلناه أولى ، وذلك كما قال جل ثناؤه ( والقمر قدرناه منازل ) وقوله ( لتقرأه على الناس على مكث ) يقول : لتقرأه على الناس على تؤدة ، فترتله وتبينه ، ولا تعجل في تلاوته ، فلا يفهم عنك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبيد المكتب قال : قلت لمجاهد : رجل قرأ البقرة وآل عمران ، وآخر قرأ البقرة ، وركوعهما وسجودهما واحد ، أيهما أفضل؟ قال : الذي قرأ البقرة ، وقرأ ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( لتقرأه على الناس على مكث ) يقول : على تأييد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( على مكث ) قال : على ترتيل . [ ص: 576 ]

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله ( لتقرأه على الناس على مكث ) قال : في ترتيل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( لتقرأه على الناس على مكث ) قال : التفسير الذي قال الله ( ورتل القرآن ترتيلا ) : تفسيره .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبيد ، عن مجاهد ، قوله ( لتقرأه على الناس على مكث ) على تؤدة ، وفي المكث للعرب لغات : مكث ، ومكث ، ومكث ومكيثى مقصور ، ومكثانا ، والقراءة بضم الميم .

وقوله ( ونزلناه تنزيلا ) يقول تعالى ذكره : فرقنا تنزيله ، وأنزلناه شيئا بعد شيء .

كما حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : حدثنا ، عن أبي رجاء ; قال : تلا الحسن : " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " قال : كان الله تبارك وتعالى ينزل هذا القرآن بعضه قبل بعض لما علم أنه سيكون ويحدث في الناس ، لقد ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة ، قال : فسألته يوما على سخطة ، فقلت : يا أبا سعيد " وقرآنا فرقناه " فثقلها أبو رجاء ، فقال الحسن : ليس فرقناه ، ولكن فرقناه ، فقرأ الحسن مخففة ، قلت : من يحدثك هذا يا أبا سعيد أصحاب محمد ، قال : فمن يحدثنيه ، قال : أنزل عليه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة ثماني سنين ، وبالمدينة عشر سنين .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) لم ينزل في ليلة ولا ليلتين ، ولا شهر ولا شهرين ، ولا سنة ولا سنتين ، ولكن كان بين أوله وآخره عشرون سنة ، وما شاء الله من ذلك .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، [ ص: 577 ] قال : كان يقول : أنزل على نبي الله القرآن ثماني سنين ، وعشرا بعد ما هاجر . وكان قتادة يقول : عشرا بمكة ، وعشرا بالمدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية