1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الإسراء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا )

[ ص: 580 ] يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد لمشركي قومك المنكرين دعاء الرحمن ( ادعوا الله ) أيها القوم ( أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) بأي أسمائه جل جلاله تدعون ربكم ، فإنما تدعون واحدا ، وله الأسماء الحسنى ، وإنما قيل ذلك له صلى الله عليه وسلم ، لأن المشركين فيما ذكر سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه : يا ربنا الله ، ويا ربنا الرحمن ، فظنوا أنه يدعو إلهين ، فأنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام هذه الآية احتجاجا لنبيه عليهم .

ذكر الرواية بما ذكرنا : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس . قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا ، وهو يدعو مثنى مثنى ، فأنزل الله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) . . . . الآية .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني عيسى ; عن الأوزاعي ، عن مكحول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يتهجد بمكة ذات ليلة ، يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم ، فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه : انظروا ما قال ابن أبي كبشة ، يدعو الليلة الرحمن الذي باليمامة ، وكان باليمامة رجل يقال له الرحمن : فنزلت ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) . "

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) . [ ص: 581 ]

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( أيا ما تدعوا ) بشيء من أسمائه .

حدثني موسى بن سهل ، قال : ثنا محمد بن بكار البصري ، قال : ثني حماد بن عيسى ; عن عبيد بن الطفيل الجهني ، قال : ثنا ابن جريج ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن مكحول ، عن عراك بن مالك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله تسعة وتسعين اسما كلهن في القرآن ، من أحصاهن دخل الجنة " .

قال أبو جعفر : ولدخول " ما " في قوله ( أيا ما تدعوا ) وجهان : أحدهما أن تكون صلة ، كما قيل : ( عما قليل ليصبحن نادمين ) والآخر أن تكون في معنى إن : كررت لما اختلف لفظاهما ، كما قيل : ما إن رأيت كالليلة ليلة .

وقوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) اختلف أهل التأويل في الصلاة ، فقال بعضهم : عنى بذلك : ولا تجهر بدعائك ، ولا تخافت به ، ولكن بين ذلك ، وقالوا : عنى بالصلاة في هذا الموضع : الدعاء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن عيسى الدامغاني ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قالت : في الدعاء .

حدثنا بشار ، قال : ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : نزلت في الدعاء .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثله .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا عباد بن العوام ، عن أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : كانوا يجهرون بالدعاء ، فلما نزلت هذه الآية أمروا أن لا يجهروا ، ولا يخافتوا . [ ص: 582 ]

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا حماد ، عن عمرو بن مالك البكري ، عن أبي الجوزاء عن عائشة ، قالت : نزلت في الدعاء .

حدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : ثنا عبد الله بن داود ، قال : ثنا شريك ، عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : الدعاء .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي عياض ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : نزلت في الدعاء .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شريك ، عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عمن ذكره عن عطاء ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : نزلت في الدعاء .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : في الدعاء .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : نزلت في الدعاء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) في الدعاء والمسألة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : نزلت في الدعاء والمسألة . [ ص: 583 ]

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثني سفيان ، قال : ثني قيس بن مسلم ، عن سعيد بن جبير في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : في الدعاء .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن عياش العامري ، عن عبد الله بن شداد قال : كان أعراب إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا إبلا وولدا ، قال : فنزلت هذه الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : في الدعاء .

حدثني ابن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ( ولا تجهر بصلاتك ) . . . . الآية ، قال : في الدعاء والمسألة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني عيسى ; عن الأوزاعي ، عن مكحول ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : ذلك في الدعاء .

وقال آخرون : عنى بذلك الصلاة .

واختلف قائلو هذه المقالة في المعنى الذي عنى بالنهي عن الجهر به ، فقال بعضهم : الذي نهى عن الجهر به منها القراءة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، قال : فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ( ولا تجهر بصلاتك ) [ ص: 584 ] فيسمع المشركون ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك ، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوا عنك .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا جهر بالصلاة بالمسلمين بالقرآن ، شق ذلك على المشركين إذا سمعوه ، فيؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والعيب به ، وذلك بمكة ، فأنزل الله : يا محمد ( ولا تجهر بصلاتك ) يقول : لا تعلن بالقراءة بالقرآن إعلانا شديدا يسمعه المشركون فيؤذونك ، ولا تخافت بالقراءة بالقرآن : يقول : لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) يقول : اطلب بين الإعلان والجهر وبين التخافت والخفض طريقا ، لا جهرا شديدا ، ولا خفضا لا تسمع أذنيك ، فذلك القدر ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سقط هذا كله ، يفعل الآن أي ذلك شاء .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) . . . . الآية ، هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كان إذا صلى بأصحابه ، فرفع صوته بالقراءة أسمع المشركين ، فآذوه ، فأمره الله أن لا يرفع صوته ، فيسمع عدوه ، ولا يخافت فلا يسمع من خلفه من المسلمين ، فأمره الله أن يبتغي بين ذلك سبيلا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن ، فكان المشركون إذا سمعوا صوته سبوا القرآن ، ومن جاء به ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخفي القرآن فما يسمعه أصحابه ، فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) .

حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي ، يقول : أخبرنا أبو حمزة عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : كان رسول الله صلى [ ص: 585 ] الله عليه وسلم إذا رفع صوته وسمع المشركون ، سبوا القرآن ، ومن جاء به ، وإذا خفض لم يسمع أصحابه ، قال الله ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا ، وأبوا أن يستمعوا منه ، فكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو ، وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقا منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ، ذهب خشية أذاهم ، فلم يستمع ، فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئا ، فأنزل الله عليه ( ولا تجهر بصلاتك ) فيتفرقوا عنك ( ولا تخافت بها ) فلا تسمع من أراد أن يسمعها ، ممن يسترق ذلك دونهم ، لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع ، فينتفع به ، ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام ، فقالت قريش : لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا ، فنهجو ربك ، فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) . . . . الآية .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مختف بمكة ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع الصوت بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله لنبيه ( ولا تجهر بصلاتك ) : أي بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك ، فلا تسمعهم ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : في القراءة . [ ص: 586 ]

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا سعيد ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في هذه الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه ، وإذا سمع ذلك المشركون سبوه ، فنزلت هذه الآية .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن سلمة ، عن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، قال : فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا؟ فقال : أناجي ربي ، وقد علم حاجتي ، قيل : أحسنت ، وقيل لعمر : لم تصنع هذا؟ قال : أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان ، قيل : أحسنت ، فلما نزلت ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) قيل لأبي بكر : ارفع شيئا ، وقيل لعمر : اخفض شيئا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا حسان بن إبراهيم ، عن إبراهيم الصائغ ، عن عطاء ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : يقول ناس إنها في الصلاة ، ويقول آخرون إنها في الدعاء .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) وكان نبي الله وهو بمكة ، إذا سمع المشركون صوته رموه بكل خبث ، فأمره الله أن يغض من صوته ، وأن يجعل صلاته بينه وبين ربه ، وكان يقال : ما سمعته أذنك فليس بمخافتة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالصلاة ، فيرمى بالخبث ، فقال : لا ترفع صوتك فتؤذى ولا تخافت بها ، وابتغ بين ذلك سبيلا .

وقال آخرون : إنما عني بذلك : ولا تجهر بالتشهد في صلاتك ، ولا تخافت بها . [ ص: 587 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : نزلت هذه الآية في التشهد ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، عن أشعث ، عن ابن سيرين مثله . وزاد فيه : وكان الأعرابي يجهر فيقول : التحيات لله ، والصلوات لله ، يرفع فيها صوته ، فنزلت ( ولا تجهر بصلاتك ) .

وقال آخرون : بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة جهارا ، فأمر بإخفائها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في بني إسرائيل ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يجهر بصلاته ، فآذى ذلك المشركين بمكة ، حتى أخفى صلاته هو وأصحابه ، فلذلك قال ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) وقال في الأعراف ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تجهر بصلاتك تحسنها من إتيانها في العلانية ، ولا تخافت بها : تسيئها في السريرة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن أنه كان يقول ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) : أي لا تراء بها علانية ، ولا تخفها سرا ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : كان الحسن يقول في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : لا تحسن علانيتها ، وتسئ سريرتها .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : لا تراء بها في العلانية ، ولا تخفها في السريرة . [ ص: 588 ]

حدثني علي بن الحسن الأزرقي ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن الحسن ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : تحسن علانيتها ، وتسيء سريرتها .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : لا تصل مراءاة الناس ولا تدعها مخافة .

وقال آخرون في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) قال : السبيل بين ذلك الذي سن له جبرائيل من الصلاة التي عليها المسلمون . قال : وكان أهل الكتاب يخافتون ، ثم يجهر أحدهم بالحرف ، فيصيح به ، ويصيحون هم به وراءه ، فنهي أن يصيح كما يصيح هؤلاء ، وأن يخافت كما يخافت القوم ، ثم كان السبيل الذي بين ذلك ، الذي سن له جبرائيل من الصلاة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، ما ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي رواه أبو جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، لأن ذلك أصح الأسانيد التي روي عن صحابي فيه قول مخرجا ، وأشبه الأقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) عقيب قوله ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) وعقيب تقريع الكفار بكفرهم بالقرآن ، وذلك بعدهم منه ومن الإيمان . فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى وأشبه بقوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) أن يكون من سبب ما هو في سياقه من الكلام ، ما لم يأت بمعنى يوجب صرفه عنه ، أو يكون على انصرافه عنه دليل يعلم به الانصراف عما هو في سياقه .

فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : قل ادعوا الله ، أو ادعوا الرحمن ، أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، ولا تجهر يا محمد بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه ، وذكرك فيها ، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون ، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ ص: 589 ] ولكن التمس بين الجهر والمخافتة طريقا إلى أن تسمع أصحابك ، ولا يسمعه المشركون فيؤذوك . ولولا أن أقوال أهل التأويل مضت بما ذكرت عنهم من التأويل ، وأنا لا نستجير خلافهم فيما جاء عنهم ، لكان وجها يحتمله التأويل أن يقال : ولا تجهر بصلاتك التي أمرناك بالمخافتة بها ، وهي صلاة النهار لأنها عجماء ، لا يجهر بها ، ولا تخافت بصلاتك التي أمرناك بالجهر بها ، وهي صلاة الليل ، فإنها يجهر بها ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) بأن تجهر بالتي أمرناك بالجهر بها ، وتخافت بالتي أمرناك بالمخافتة بها ، لا تجهر بجميعها ، ولا تخافت بكلها ، فكان ذلك وجها غير بعيد من الصحة ، ولكنا لا نرى ذلك صحيحا لإجماع الحجة من أهل التأويل على خلافه . فإن قال قائل : فأية قراءة هذه التي بين الجهر والمخافتة؟

قيل : حدثني مطر بن محمد ، قال : ثنا قتيبة ، ووهب بن جرير ، قالا ثنا شعبة ، عن الأشعث بن سليم ، عن الأسود بن هلال ، قال : قال عبد الله : لم يخافت من أسمع أذنيه .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شعبة ، عن الأشعث ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية