1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الكهف
  4. القول في تأويل قوله تعالى " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا )

[ ص: 597 ] يعني تعالى ذكره بذلك : فلعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) تمردا منهم على ربهم ، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك ، فيصدقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا ، بإدبارهم عنك ، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك . يقال منه : بخع فلان نفسه يبخعها بخعا وبخوعا ، ومنه قول ذي الرمة :


ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر



يريد : نحته فخفف .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : ( باخع ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فلعلك باخع نفسك ) يقول : قاتل نفسك .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

وأما قوله : ( أسفا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، [ ص: 598 ] عن قتادة ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) قال : غضبا .

وقال آخرون : جزعا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( أسفا ) قال : جزعا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : معناه : حزنا عليهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( أسفا ) قال : حزنا عليهم .

وقد بينا معنى الأسف فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وهذه معاتبة من الله عز ذكره على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الإيمان بالله ، والبراءة من الآلهة والأنداد ، وكان بهم رحيما .

وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) يعاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم : أي لا تفعل .

وقوله : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) يقول عز ذكره : إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض ( لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) يقول : لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ما على الأرض زينة لها ) قال : ما عليها من شيء . [ ص: 599 ]

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء " .

وأما قوله : ( لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو قولنا فيه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو عاصم العسقلاني ، قال : ( لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) قال : أترك لها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) اختبارا لهم أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي .

وقوله : ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يقول عز ذكره : وإنا لمخربوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة ، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس ، وقد قيل : إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع : المستوي بوجه الأرض ، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، وبمعنى الجرز ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يقول : يهلك كل شيء عليها ويبيد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( صعيدا جرزا ) قال : بلقعا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 600 ]

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يعني : الأرض إن ما عليها لفان وبائد ، وإن المرجع لإلي ، فلا تأس ، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( صعيدا جرزا ) قال : الجرز : الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى أنه يقول : ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا ) قال : والجرز : لا شيء فيها ، لا نبات ولا منفعة ، والصعيد : المستوي . وقرأ : ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : مستوية : يقال : جرزت الأرض فهي مجروزة ، وجرزها الجراد والنعم ، وأرضون أجراز : إذا كانت لا شيء فيها ، ويقال للسنة المجدبة : جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة أمطارها ، قال الراجز :


قد جرفتهن السنون الأجراز



يقال : أجرز القوم : إذا صارت أرضهم جرزا ، وجرزوا هم أرضهم : إذا أكلوا نباتها كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية