القول في 
تأويل قوله تعالى : ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا  ( 16 ) ) 
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض : 
وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة ( 
وما يعبدون إلا الله  ) يقول : وإذا اعتزلتم قومكم الذين يعبدون من الآلهة سوى الله ، ف " ما " إذ كان ذلك معناه في موضع نصب عطفا لها على الهاء ، والميم التي في قوله ( 
وإذ اعتزلتموهم  ) 
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله ( 
وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله  ) وهي في مصحف 
عبد الله   : " وما يعبدون من دون الله " هذا تفسيرها . 
وأما قوله : ( 
فأووا إلى الكهف  ) فإنه يعني به : 
فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمى 
بنجلوس ،   ( 
ينشر لكم ربكم من رحمته  ) يقول : يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رميتم به من الكافر 
دقينوس  وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة . 
وقوله : ( 
فأووا إلى الكهف  ) جواب لإذ ، كأن معنى الكلام : وإذ اعتزلتم  
[ ص: 618 ] أيها القوم قومكم ، فأووا إلى الكهف ، كما يقال : إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه . 
وقوله : ( 
ويهيئ لكم من أمركم مرفقا  ) يقول : وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغم والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا ، ويعني بالمرفق : ما ترتفقون به من شيء ، وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان : كسر الميم وفتح الفاء ، وفتح الميم وكسر الفاء ، وكان 
الكسائي  ينكر في مرفق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم ، وكان 
الفراء  يحكي فيهما ، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما ، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر : 
بت أجافي مرفقا عن مرفقي 
ويقول : كسر الميم فيه أجود . 
وكان بعض نحويي أهل 
البصرة  يقول في قوله : ( 
من أمركم مرفقا  ) شيئا ترتفقون به مثل المقطع ، ومرفقا جعله اسما كالمسجد ، ويكون لغة ، يقولون : رفق يرفق مرفقا ، وإن شئت مرفقا تريد رفقا ولم يقرأ . 
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك . فقرأته عامة قراء أهل 
المدينة   : " ويهيئ لكم من أمركم مرفقا " بفتح الميم وكسر الفاء ، وقرأته عامة قراء 
العراق  في المصرين ( مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء . 
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان بمعنى واحد ، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء من أهل القرآن ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الذي اختار في قراءة ذلك : ( 
ويهيئ لكم من أمركم مرفقا  ) بكسر الميم وفتح الفاء ، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب ، وكذلك ذلك في كل ما ارتفق به من شيء .