صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا )

[ ص: 651 ] يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا ، ولا تتركن تلاوته ، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه ، والعمل بحلاله وحرامه ، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير من خالفه ، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم ( لا مبدل لكلماته ) يقول : لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك أهل معاصيه ، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك .

وقوله : ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) يقول : وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتم به ، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده ، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه ، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه ، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( ملتحدا ) قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( ملتحدا ) قال : ملجأ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ملتحدا ) قال : ملجأ .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) قال : موئلا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( ملتحدا ) قال : ملجأ ولا موئلا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : [ ص: 652 ] ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) قال : لا يجدون ملتحدا يلتحدونه ، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم ، والملتحد : إنما هو المفتعل من اللحد ، يقال منه : لحدت إلى كذا : إذا ملت إليه ، ومنه قيل للحد : لحد ، لأنه في ناحية من القبر ، وليس بالشق الذي في وسطه ، ومنه الإلحاد في الدين ، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية