1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الكهف
  4. القول في تأويل قوله تعالى "واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ( 32 ) كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا ( 33 ) [ ص: 19 ] وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ( 34 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله ، الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ( مثلا ) مثل ( رجلين جعلنا لأحدهما جنتين ) أي جعلنا له بستانين من كروم ( وحففناهما بنخل ) يقول : وأطفنا هذين البستانين بنخل . وقوله : ( وجعلنا بينهما زرعا ) يقول : وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا ، وقوله : ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) يقول : كلا البستانين أطعم ثمره وما فيه من الغروس من النخل والكرم وصنوف الزرع . وقال : كلتا الجنتين ، ثم قال : آتت ، فوحد الخبر ، لأن كلتا لا يفرد واحدتها ، وأصله كل ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا ، ويذهبون بها وهي مفردة إلى التثنية ، قال بعض الرجاز في ذلك :


في كلت رجليها سلامى واحده كلتاهما مقرونة بزائده



يريد بكلت : كلتا ، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلى معرفة ، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد ، وقوله : ( ولم تظلم منه شيئا ) يقول : ولم تنقص من الأكل شيئا ، بل آتت ذلك تاما كاملا ومنه قولهم : ظلم فلان فلانا حقه : إذا بخسه ونقصه ، كما قال الشاعر :


تظلمني مالي كذا ولوى يدي     لوى يده الله الذي هو غالبه



وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . [ ص: 20 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ولم تظلم منه شيئا ) : أي لم تنقص ، منه شيئا .

وقوله : ( وفجرنا خلالهما نهرا ) يقول تعالى ذكره :

وسيلنا خلال هذين البستانين نهرا ، يعني بينهما وبين أشجارهما نهرا . وقيل : ( وفجرنا ) فثقل الجيم منه ، لأن التفجير في النهر كله ، وذلك أنه يميد ماء فيسيل بعضه بعضا .

وقوله : ( وكان له ثمر ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق : "وكان له ثمر" بضم الثاء والميم . واختلف قارئو ذلك كذلك ، فقال بعضهم : كان له ذهب وفضة ، وقالوا : ذلك هو الثمر ، لأنها أموال مثمرة ، يعني مكثرة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( وكان له ثمر ) قال : ذهب وفضة ، وفي قول الله عز وجل : ( بثمره ) قال : هي أيضا ذهب وفضة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : [ ص: 21 ] ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله ( ثمر ) قال : ذهب وفضة . قال : وقوله : ( وأحيط بثمره ) هي هي أيضا .

وقال آخرون : بل عني به : المال الكثير من صنوف الأموال .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : قرأها ابن عباس : "وكان له ثمر" بالضم ، وقال : يعني أنواع المال .

حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "وكان له ثمر" يقول : مال .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : "وكان له ثمر" يقول : من كل المال .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وأحيط بثمره ) قال : الثمر من المال كله يعني الثمر ، وغيره من المال كله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : "الثمر" المال كله ، قال : وكل مال إذا اجتمع فهو ثمر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله .

وقال آخرون : بل عني به الأصل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : "وكان له ثمر" الثمر الأصل ، قال " وأحيط بثمره" قال : بأصله ، وكأن الذين وجهوا معناها إلى أنها أنواع من المال ، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر ، كما يجمع الكتاب كتبا ، والحمار حمرا ، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة "ثمر" بضم الثاء وسكون الميم ، وهو يريد الضم فيها ، غير أنه سكنها طلب التخفيف ، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة ، كما تجمع الخشبة خشبا . وقرأ ذلك بعض المدنيين : ( وكان له ثمر ) بفتح الثاء والميم ، بمعنى جمع الثمرة ، كما تجمع الخشبة خشبا ، والقصبة قصبا .

وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ " وكان له ثمر " بضم الثاء والميم لإجماع الحجة من القراء عليه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب .

ومعنى الكلام : ( وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ) منهما " ثمر " بمعنى من جنتيه أنواع من الثمار وقد بين ذلك لمن وفق لفهمه ، قوله : [ ص: 22 ] ( جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) ثم قال : وكان له من هذه الكروم والنخل والزرع ثمر .

وقوله : ( فقال لصاحبه وهو يحاوره ) يقول عز وجل : فقال هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب ، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه :

( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) يقول : وأعز عشيرة ورهطا ، كما قال عيينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن سادات العرب ، وأرباب الأموال ، فنح عنا سلمان وخبابا وصهيبا ، احتقارا لهم ، وتكبرا عليهم .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) وتلك والله أمنية الفاجر : كثرة المال ، وعزة النفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية