1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الكهف
  4. القول في تأويل قوله تعالى "ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ( 52 ) ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ( 53 ) )

يقول عز ذكره ، ( ويوم يقول ) الله عز ذكره للمشركين به الآلهة والأنداد ( نادوا شركائي الذين زعمتم ) يقول لهم : ادعوا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في العبادة لينصروكم ويمنعوكم مني ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) يقول : فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم ( وجعلنا بينهم موبقا )

فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وجعلنا بين هؤلاء المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا يومئذ عداوة . [ ص: 46 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن الحسن ، في قول الله : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : جعل بينهم عداوة يوم القيامة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عثمان بن عمر ، عن عوف ، عن الحسن ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : عداوة .

وقال آخرون : معناه : وجعلنا فعلهم ذلك لهم مهلكا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : مهلكا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( موبقا ) قال : هلاكا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : الموبق : المهلك ، الذي أهلك بعضهم بعضا فيه ، أوبق بعضهم بعضا ، وقرأ ( وجعلنا لمهلكهم موعدا ) . ‏

حدثت عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ( موبقا ) قال : هلاكا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن عرفجة ، في قوله ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : مهلكا .

وقال آخرون : هو اسم واد في جهنم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عمرو البكالي : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : واد عميق فصل به بين أهل الضلالة وأهل الهدى ، وأهل الجنة ، وأهل النار .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجعلنا بينهم موبقا ) ذكر لنا أن عمر البكالي حدث عن عبد الله بن عمرو ، قال : هو واد عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عمر بن عبيد ، عن الحجاج بن أرطاة ، [ ص: 47 ] قال : قال مجاهد ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : واديا في النار .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى "ح" ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : واديا في جهنم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا يزيد بن درهم ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عز وجل ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : واد في جهنم من قيح ودم .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، ومن وافقه في تأويل الموبق : أنه المهلك ، وذلك أن العرب تقول في كلامها : قد أوبقت فلانا : إذا أهلكته ، ومنه قول الله عز وجل : ( أو يوبقهن بما كسبوا ) بمعنى : يهلكهن . ويقال للمهلك نفسه : قد وبق فلان فهو يوبق وبقا . ولغة بني عامر : يابق بغير همز . وحكي عن تميم أنها تقول : ييبق . وقد حكي وبق يبق وبوقا ، حكاها الكسائي . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول : الموبق : الوعد ، ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر :


وحاد شرورى فالستار فلم يدع تعارا له والواديين بموبق



ويتأوله بموعد ، وجائز أن يكون ذلك المهلك الذي جعل الله جل ثناؤه بين هؤلاء المشركين ، هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو ، وجائز أن يكون [ ص: 48 ] العداوة التي قالها الحسن .

وقوله : ( ورأى المجرمون النار ) يقول : وعاين المشركون النار يومئذ ( فظنوا أنهم مواقعوها ) يقول : فعلموا أنهم داخلوها .

كما حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فظنوا أنهم مواقعوها ) قال : علموا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إن الكافر يرى جهنم فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة " .

وقوله : ( ولم يجدوا عنها مصرفا ) يقول :

ولم يجدوا عن النار التي رأوا معدلا يعدلون عنها إليه . يقول : لم يجدوا من مواقعتها بدا ، لأن الله قد حتم عليهم ذلك ، ومن المصرف بمعنى المعدل قول أبي كبير الهذلي :


أزهير هل عن شيبة من مصرف     أم لا خلود لباذل متكلف



التالي السابق


الخدمات العلمية