1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الكهف
  4. القول في تأويل قوله تعالى "فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ( 61 ) )

يعني تعالى ذكره : فلما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين ، كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( مجمع بينهما ) قال : بين البحرين .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : ( نسيا حوتهما ) يعني بقوله : نسيا : تركا .

كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( نسيا حوتهما ) قال : أضلاه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : أضلاه .

قال بعض أهل العربية : إن الحوت كان مع يوشع ، وهو الذي نسيه ، فأضيف النسيان إليهما ، كما قال ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) وإنما يخرج من الملح دون العذب .

وإنما جاز عندي أن يقال : ( نسيا ) لأنهما كانا جميعا تزوداه لسفرهما ، فكان حمل أحدهما ذلك مضافا إلى أنه حمل منهما ، كما يقال : خرج القوم من موضع [ ص: 58 ] كذا ، وحملوا معهم كذا من الزاد ، وإنما حمله أحدهما ولكنه لما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم أضيف ذلك إلى جميعهم ، فكذلك إذا نسيه حامله في موضع قيل : نسي القوم زادهم ، فأضيف ذلك إلى الجميع بنسيان حامله ذلك ، فيجري الكلام على الجميع والفعل من واحد ، فكذلك ذلك في قوله : ( نسيا حوتهما ) لأن الله عز ذكره خاطب العرب بلغتها ، وما يتعارفونه بينهم من الكلام .

وأما قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) فإن القول في ذلك عندنا بخلاف ما قال فيه ، وسنبينه إن شاء الله تعالى إذا انتهينا إليه .

وأما قوله : ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) فإنه يعني أن الحوت اتخذ طريقه الذي سلكه في البحر سربا .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) قال : الحوت اتخذ . ويعني بالسرب : المسلك والمذهب ، يسرب فيه : يذهب فيه ويسلكه .

ثم اختلف أهل العلم في صفة اتخاذه سبيله في البحر سربا ، فقال بعضهم : صار طريقه الذي يسلك فيه كالجحر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله ( سربا ) قال : أثره كأنه جحر .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك : " ما انجاب ماء منذ كان الناس غيره ثبت مكان الحوت الذي فيه فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى ، فرأى مسلكه ، فقال : ذلك ما كنا نبغي " .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، قال : ثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) [ ص: 59 ] قال : جاء فرأى أثر جناحيه في الطين حين وقع في الماء ، قال ابن عباس ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) وحلق بيده .

وقال آخرون : بل صار طريقه في البحر ماء جامدا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : سرب من الجر حتى أفضى إلى البحر ، ثم سلك ، فجعل لا يسلك فيه طريقا إلا صار ماء جامدا .

وقال آخرون : بل صار طريقه في البحر حجرا .

ذكر من قال ذلك : - حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : حمل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة .

وقال آخرون : بل إنما اتخذ سبيله سربا في البر إلى الماء ، حتى وصل إليه لا في البحر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) قال : قال : حشر الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه الله ، قال ابن زيد ، وأخبرني أبو شجاع أنه رآه قال : أتيت به فإذا هو شقة حوت وعين واحدة ، وشق آخر ليس فيه شيء .

والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل : واتخذ الحوت طريقه في البحر سربا . وجائز أن يكون ذلك السرب كان بانجياب عن الأرض ، وجائز أن يكون كان بجمود الماء ، وجائز أن يكون كان بتحوله حجرا .

وأصح الأقوال فيه ما روي الخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا عن أبي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية