[ ص: 85 ] القول في 
تأويل قوله تعالى : ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا  ( 80 ) 
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما  ( 81 ) ) 
يقول تعالى ذكره : وأما الغلام ، فإنه كان كافرا ، وكان أبواه مؤمنين ، فعلمنا أنه يرهقهما : يقول : يغشيهما طغيانا ، وهو الاستكبار على الله ، وكفرا به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وقد ذكر ذلك في بعض الحروف . وأما الغلام فكان كافرا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة   : "وأما الغلام فكان كافرا" في حرف 
أبي ،  وكان أبواه مؤمنين ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما  ) . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين  ) وكان كافرا في بعض القراءة . وقوله : ( فخشينا ) وهي في مصحف 
عبد الله   : " فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا" 
حدثنا 
عمرو بن علي ،  قال : ثنا 
أبو قتيبة ،  قال : ثنا 
عبد الجبار بن عباس الهمداني ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس ،  عن 
أبي بن كعب  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810789 " الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا  " . والخشية والخوف توجههما العرب إلى معنى الظن ، وتوجه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشيء الذي يدرك من غير جهة الحس والعيان . وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته . 
وكان بعض أهل العربية من أهل 
البصرة  يقول : معنى قوله ( خشينا ) في هذا الموضع : كرهنا ، لأن الله لا يخشى . وقال في بعض القراءات : فخاف ربك ، قال : وهو مثل خفت الرجلين أن يعولا وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما . 
وقوله : ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما  ) : اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه جماعة من قراء 
المكيين  المدنيين  والبصريين   : ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما  ) . وكان  
[ ص: 86 ] بعضهم يعتل لصحة ذلك بأنه وجد ذلك مشددا في عامة القرآن ، كقول الله عز وجل : ( 
فبدل الذين ظلموا  ) وقوله ( 
وإذا بدلنا آية مكان آية  ) فألحق قوله : ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما  ) وقرأ ذلك عامة قراء 
الكوفة   : ( 
فأردنا أن يبدلهما  ) بتخفيف الدال . وكان بعض من قرأ ذلك كذلك من أهل العربية يقول : أبدل يبدل بالتخفيف وبدل يبدل بالتشديد : بمعنى واحد . 
والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وقيل : إن الله عز وجل أبدل أبوي الغلام الذي قتله صاحب 
موسى  منه بجارية . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
يعقوب ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11920هاشم بن القاسم ،  قال : ثنا 
المبارك بن سعيد ،  قال : ثنا 
عمرو بن قيس  في قوله : ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما  ) قال : بلغني أنها جارية  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  أخبرني 
سليمان بن أمية  أنه سمع 
يعقوب بن عاصم  يقول : أبدلا مكان الغلام جارية . 
قال : 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : وأخبرني 
عبد الله بن عثمان بن خشيم ،  أنه سمع 
سعيد بن جبير  يقول : أبدلا مكان الغلام جارية . 
وقال آخرون : أبدلهما ربهما بغلام مسلم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج  عن 
أبي  [ ص: 87 ] جريج   ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما  ) قال : كانت أمه حبلى يومئذ بغلام مسلم  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثنا 
أبو سفيان ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة ،  أنه ذكر الغلام الذي قتله الخضر ، فقال : قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما ، فليرض امرؤ بقضاء الله ، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب  . 
وقوله : ( 
خيرا منه زكاة  ) يقول : خيرا من الغلام الذي قتله صلاحا ودينا . 
كما حدثنا 
القاسم ،  ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قوله : ( 
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة  ) قال : الإسلام  . 
وقوله : ( 
وأقرب رحما  ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأقرب رحمة بوالديه وأبر بهما من المقتول . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا 
معمر  عن 
قتادة   ( 
وأقرب رحما  ) : أبر بوالديه  . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
وأقرب رحما  ) ، أي أقرب خيرا  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأقرب أن يرحمه أبواه منهما للمقتول . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   ( 
وأقرب رحما  ) أرحم به منهما بالذي قتل الخضر  . 
وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك : وأقرب أن يرحماه ، والرحم : مصدر رحمت ، يقال : رحمته رحمة ورحما . وكان بعض البصريين يقول : من الرحم والقرابة . وقد يقال : رحم ورحم مثل عسر وعسر ، وهلك وهلك ، واستشهد لقوله ذلك ببيت 
العجاج   : 
ولم تعوج رحم من تعوجا 
ولا وجه للرحم في هذا الموضع ، لأن المقتول كان الذي أبدل الله منه والديه ولدا لأبوي المقتول ، فقرابتهما من والديه ، وقربهما منه في الرحم سواء . وإنما معنى ذلك : وأقرب من المقتول أن يرحم والديه فيبرهما كما قال 
قتادة   : وقد يتوجه الكلام إلى أن يكون معناه . وأقرب أن يرحماه ، غير أنه لا قائل من أهل تأويل تأوله كذلك ، فإذ لم يكن فيه قائل ، فالصواب فيه ما قلنا لما بينا .