[ ص: 155 ] القول في 
تأويل قوله تعالى : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا  ( 12 ) 
وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا  ( 13 ) ) 
يقول تعالى ذكره : فولد 
لزكريا  يحيى ،  فلما ولد ، قال الله له : يا 
يحيى ،  خذ هذا الكتاب بقوة ، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى ، وهو التوراة بقوة ، يقول : بجد . 
كما حدثنا 
الحسن ،  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة ،  في قوله ( 
خذ الكتاب بقوة  ) قال : بجد  . 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   ( 
خذ الكتاب بقوة  ) قال : بجد  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
وقال 
ابن زيد  في ذلك ما حدثني به 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
يا يحيى خذ الكتاب بقوة  ) قال : القوة : أن يعمل ما أمره الله به ، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه  . 
قال 
أبو جعفر   : وقد بينت معنى ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا ، في سورة آل عمران ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . 
وقوله ( 
وآتيناه الحكم صبيا  ) يقول تعالى ذكره : وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال . 
وقد حدثنا 
أحمد بن منيع ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ،  قال : أخبرني 
معمر ،  ولم يذكره عن أحد في هذه الآية ( 
وآتيناه الحكم صبيا  ) قال : بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقت ، فأنزل الله ( 
وآتيناه الحكم صبيا  )  . 
وقوله ( 
وحنانا من لدنا  ) يقول تعالى ذكره : ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا .  
[ ص: 156 ] 
وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان ، فقال بعضهم : معناه : الرحمة ، ووجهوا الكلام إلى نحو المعنى الذي وجهناه إليه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
علي ،  قال : ثنا 
عبد الله ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  قوله ( 
وحنانا من لدنا  ) يقول : ورحمة من عندنا  . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ،  قال : ثنا 
محمد بن جعفر  ، قال : ثنا 
شعبة ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة ،  في هذه الآية ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : رحمة  . 
حدثنا 
الحسن ،  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة ،  في قوله ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : رحمة من عندنا  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثنا 
هشيم ،  قال : أخبرنا 
جويبر ،  عن 
الضحاك ،  قوله ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : رحمة من عندنا لا يملك عطاءها غيرنا  . 
حدثت عن 
الحسين بن الفرج ،  قال : سمعت 
أبا معاذ ،  قال : أخبرنا 
عبيد بن سليمان ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله ( 
وحنانا من لدنا  ) يقول : رحمة من عندنا ، لا يقدر على أن يعطيها أحد غيرنا  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ورحمة من عندنا 
لزكريا  ، آتيناه الحكم صبيا ، وفعلنا به الذي فعلنا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله ( 
وحنانا من لدنا  ) يقول : رحمة من عندنا  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : وتعطفا من عندنا عليه ، فعلنا ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى   ; وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  قوله ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : تعطفا من ربه عليه  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد  ، مثله .  
[ ص: 157 ] 
وقال آخرون : بل معنى الحنان : المحبة . ووجهوا معنى الكلام إلى : ومحبة من عندنا فعلنا ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
حكام ،  عن 
عنبسة ،  عن 
يحيى بن سعيد ،  عن 
عكرمة   ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : محبة عليه  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله ( وحنانا ) قال : أما الحنان فالمحبة  . 
وقال آخرون معناه تعظيما منا له . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثنا 
أبو تميلة ،  عن 
أبي حمزة ،  عن 
جابر ،  عن 
عطاء بن أبي رباح   ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : تعظيما من لدنا  . وقد ذكر عن 
ابن عباس  رضي الله عنهما أنه قال : لا أدري ما الحنان . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال : أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار  أنه سمع 
عكرمة ،  عن 
ابن عباس ،  قال : والله ما أدري ما حنانا . 
وللعرب في حنانك لغتان : حنانك يا ربنا ، وحنانيك; كما قال 
طرفة بن العبد  في حنانيك : 
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض 
وقال 
امرؤ القيس  في اللغة الأخرى :  
[ ص: 158 ] ويمنحها بنو شمجى بن جرم     معيزهم حنانك ذا الحنان 
وقد اختلف أهل العربية في "حنانيك" فقال بعضهم : هو تثنية "حنان" . وقال آخرون : بل هي لغة ليست بتثنية; قالوا : وذلك كقولهم : حواليك; وكما قال الشاعر : 
ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا 
وقد سوى بين جميع ذلك الذين قالوا حنانيك تثنية ، في أن كل ذلك تثنية . وأصل ذلك أعني الحنان ، من قول القائل : حن فلان إلى كذا وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق ، ثم يقال : تحنن فلان على فلان ، إذا وصف بالتعطف عليه والرقة به ، والرحمة له ، كما قال الشاعر : 
تحنن علي هداك المليك     فإن لكل مقام مقالا 
بمعنى : تعطف علي . فالحنان : مصدر من قول القائل : حن فلان على فلان ، يقال منه : حننت عليه ، فأنا أحن عليه حنينا وحنانا ، ومن ذلك قيل لزوجة الرجل : حنته ، لتحننه عليها وتعطفه ، كما قال الراجز :  
[ ص: 159 ] وليلة ذات دجى سريت     ولم تضرني حنة وبيت 
وقوله : ( وزكاة ) يقول تعالى ذكره : وآتينا 
يحيى  الحكم صبيا ، وزكاة : وهو الطهارة من الذنوب ، واستعمال بدنه في طاعة ربه ، فالزكاة عطف على الحكم من قوله ( 
وآتيناه الحكم  ) . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله : ( وزكاة ) قال : الزكاة : العمل الصالح  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قوله ( وزكاة ) قال : الزكاة : العمل الصالح الزكي  . 
حدثت عن 
الحسين  ، قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد بن سليمان ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول : في قوله ( وزكاة ) يعني العمل الصالح الزاكي  . 
وقوله ( 
وكان تقيا  ) يقول تعالى ذكره : وكان لله خائفا مؤديا فرائضه ، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته . 
كما : حدثني 
محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   ( 
وزكاة وكان تقيا  ) قال : طهر فلم يعمل بذنب  . 
حدثني 
يونس ،  قال : خبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله ( 
وزكاة وكان تقيا  ) قال : أما الزكاة والتقوى فقد عرفهما الناس  .