صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ( 24 ) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ( 25 ) )

اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق ( فناداها من تحتها ) بمعنى : فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلاف منهم في تأويله; فمن متأول منهم إذا قرأه ( من تحتها ) كذلك; ومن متأول منهم أنه عيسى ، وأنه ناداها من تحتها بعد ما ولدته . وقرأ ذلك بعض قراء أهل الكوفة والبصرة ( فناداها من تحتها ) وبفتح التاءين من تحت ، بمعنى : فناداها الذي تحتها ، على أن الذي تحتها عيسى ، وأنه الذي نادى أمه .

ذكر من قال : الذي ناداها من تحتها الملك ، حدثنا ابن حميد ، قال : [ ص: 173 ] ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت ابن عباس قرأ : ( فناداها من تحتها ) يعني : جبرائيل .

حدثني أحمد بن عبد الله أحمد بن يونس ، قال : أخبرنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : الذي ناداها الملك .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، أنه قرأ : فخاطبها من تحتها .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه قرأ : فخاطبها من تحتها .

حدثنا الرفاعي ، قال : ثنا وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه قرأها كذلك .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ( فناداها من تحتها ) قال : جبرائيل .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فناداها من تحتها ) : أي من تحت النخلة .

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( فناداها ) جبرائيل ( من تحتها ألا تحزني ) .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( فناداها من تحتها ) قال : الملك .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( فناداها من تحتها ) يعني : جبرائيل كان أسفل منها .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ( فناداها من تحتها ) قال : ناداها جبرائيل ولم يتكلم عيسى حتى أتت قومها . [ ص: 174 ]

ذكر من قال : ناداها عيسى صلى الله عليه وسلم : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( فناداها من تحتها ) قال : عيسى ابن مريم .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( فناداها من تحتها ) ابنها .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : هو ابنها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه ( فناداها ) عيسى ( من تحتها ألا تحزني ) .

حدثني أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا محمد بن مهاجر ، عن ثابت بن عجلان ، عن سعيد بن جبير ، قوله ( فناداها من تحتها ) قال عيسى : أما تسمع الله يقول ( فأشارت إليه ) .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ( فناداها من تحتها ) قال : عيسى; ناداها ( من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) .

حدثت عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي بن كعب قال : الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها ودخل من فيها .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال : الذي ناداها ابنها عيسى ، وذلك أنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل ، فرده على الذي هو أقرب إليه أولى من رده على الذي هو أبعد منه . ألا ترى في سياق [ ص: 175 ] قوله ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ) يعني به : فحملت عيسى فانتبذت به ، ثم قيل : فناداها نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه . ولعلة أخرى ، وهي قوله ( فأشارت إليه ) ولم تشر إليه إن شاء الله إلا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك ، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها ( ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه ، ولو كان ذلك قولا من جبرائيل ، لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر ، مبينا أن عيسى سينطق ، ويحتج عنها للقوم ، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله .

فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويل الذي بينا ، فبين أن كلتا القراءتين ، أعني ( من تحتها ) بالكسر ، " ومن تحتها " بالفتح صواب . وذلك أنه إذا قرئ بالكسر كان في قوله ( فناداها ) ذكر من عيسى : وإذا قرئ ( من تحتها ) بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى . فتأويل الكلام إذن : فناداها المولود من تحتها أن لا تحزني يا أمه ( قد جعل ربك تحتك سريا ) .

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فناداها من تحتها ألا تحزني ) قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ، لا ذات زوج فأقول من زوج ، ولا مملوكة فأقول من سيدي ، أي شيء عذري عند الناس ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) فقال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام .

واختلف أهل التأويل في المعني بالسري في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني به : النهر الصغير .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول في هذه الآية ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول . [ ص: 176 ]

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( قد جعل ربك تحتك سريا ) وهو نهر عيسى .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : السري : النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري يسمى سريا .

حدثني أبو حصين ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال في هذه الآية ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : السري : نهر يشرب منه .

حدثنا يعقوب و أبو كريب ، قالا ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن ميمون ، في قوله : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : هو الجدول .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( سريا ) قال : نهر بالسريانية .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، قال ابن جريج : نهر إلى جنبها .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن : إن السري : الجدول ، فقال : غلبتنا عليك الأمراء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : هو الجدول ، النهر الصغير ، وهو بالنبطية : السري .

حدثني أبو حميد الحمصي ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا محمد بن مهاجر ، عن ثابت بن عجلان قال : سألت سعيد بن جبير ، عن السري ، قال : نهر .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : النهر الصغير . [ ص: 177 ]

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : هو النهر الصغير : يعني الجدول ، يعني قوله ( قد جعل ربك تحتك سريا ) .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : جدول صغير بالسريانية .

حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( تحتك سريا ) الجدول الصغير من الأنهار .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قد جعل ربك تحتك سريا ) والسري : هو الجدول ، تسمية أهل الحجاز .

حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، في قوله ( سريا ) قال : هو جدول .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم وعن وهب بن منبه ( قد جعل ربك تحتك سريا ) يعني ربيع الماء .

- حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( قد جعل ربك تحتك سريا ) والسري : هو النهر .

وقال آخرون : عنى به عيسى .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( قد جعل ربك تحتك سريا ) والسري : عيسى نفسه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( قد جعل ربك تحتك سريا ) يعني نفسه ، قال : وأي شيء أسرى منه ، قال : والذين يقولون : السري : هو النهر ليس كذلك النهر ، لو كان النهر لكان إنما يكون إلى جنبها ، ولا يكون النهر تحتها .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال : عنى به الجدول ، وذلك أنه أعلمها ما قد أتاها الله من الماء الذي جعله عندها ، وقال لها ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي ) من هذا الرطب ( واشربي ) من هذا الماء ( وقري عينا ) بولدك ، والسري معروف من كلام العرب أنه النهر الصغير; ومنه قول لبيد :

[ ص: 178 ]

فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها



ويروى فينا مسجورة ، ويروى أيضا : فغادرا .

قوله ( وهزي إليك بجذع النخلة ) ذكر أن الجذع كان جذعا يابسا ، وأمرها أن تهزه ، وذلك في أيام الشتاء ، وهزها إياه كان تحريكه .

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وهزي إليك بجذع النخلة ) قال : حركيها .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وهزي إليك بجذع النخلة ) قال : كان جذعا يابسا ، فقال لها : هزيه ( تساقط عليك رطبا جنيا ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك يقول : كانت نخلة يابسة .

حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يقول في قوله : ( وهزي إليك بجذع النخلة ) فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( وهزي إليك بجذع النخلة ) وكان جذعا منها مقطوعا فهزته ، فإذا هو نخلة ، وأجرى لها في المحراب نهرا ، فتساقطت النخلة رطبا جنيا فقال لها ( فكلي واشربي وقري عينا ) . [ ص: 179 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهزي إليك بالنخلة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، قال : قال مجاهد ( وهزي إليك بجذع النخلة ) قال : النخلة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن مجاهد ، في قوله ( وهزي إليك بجذع النخلة ) قال : العجوة .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن ميمون ، أنه تلا هذه الآية : ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ) قال : فقال عمرو : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، وأدخلت الباء في قوله : ( وهزي إليك بجذع النخلة ) كما يقال : زوجتك فلانة ، وزوجتك بفلانة; وكما قال ( تنبت بالدهن ) بمعنى : تنبت الدهن .

وإنما تفعل العرب ذلك ، لأن الأفعال تكنى عنها بالباء ، فيقال إذا كنيت عن ضربت عمرا : فعلت به ، وكذلك كل فعل ، فلذلك تدخل الباء في الأفعال وتخرج ، فيكون دخولها وخروجها بمعنى ، فمعنى الكلام : وهزي إليك جذع النخلة ، وقد كان لو أن المفسرين كانوا فسروه وكذلك : وهزي إليك رطبا بجذع النخلة ، بمعنى : على جذع النخلة ، وجها صحيحا ، ولكن لست أحفظ عن أحد أنه فسره كذلك . ومن الشاهد على دخول الباء في موضع دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر :


بواد يمان ينبت السدر صدره     وأسفله بالمرخ والشبهان

[ ص: 180 ]

واختلف القراء في قراءة قوله ( تساقط ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة والكوفة ( تساقط ) بالتاء من تساقط وتشديد السين ، بمعنى : تتساقط عليك النخلة رطبا جنيا ، ثم تدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدد وكأن الذين قرءوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلى : وهزي إليك بجذع النخلة تساقط النخلة عليك رطبا : وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة ( تساقط ) بالتاء وتخفيف السين ، ووجه معنى الكلام ، إلى مثل ما وجه إليه مشددوها ، غير أنهم خالفوهم في القراءة . وروي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك ( يساقط ) بالياء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا يزيد ، عن جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلى : وهزي إليك بجذع النخلة يتساقط الجذع عليك رطبا جنيا .

وروي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه ( تسقط ) بضم التاء وإسقاط الألف .

حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلى : تسقط النخلة عليك رطبا جنيا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن هذه القراءات الثلاث ، أعني"تساقط" بالتاء وتشديد السين ، وبالتاء وتخفيف السين ، وبالياء وتشديد السين ، قراءات متقاربات المعاني ، قد قرأ بكل واحدة منهن قراء أهل معرفة بالقرآن ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الصواب فيه ، وذلك أن الجذع إذا تساقط رطبا ، وهو ثابت غير مقطوع ، فقد تساقطت النخلة رطبا ، وإذا تساقطت النخلة رطبا ، فقد تساقطت النخلة بأجمعها ، جذعها وغير جذعها ، وذلك أن النخلة ما دامت قائمة على أصلها ، فإنما هي جذع وجريد [ ص: 181 ] وسعف ، فإذا قطعت صارت جذعا ، فالجذع الذي أمرت مريم بهزه لم يذكر أحد نعلمه أنه كان جذعا مقطوعا غير السدي ، وقد زعم أنه عاد بهزها إياه نخلة ، فقد صار معناه ومعنى من قال : كان المتساقط عليها رطبا نخلة - واحدا ، فتبين بذلك صحة ما قلنا .

وقوله : ( جنيا ) يعني مجنيا; وإنما كان أصله مفعولا فصرف إلى فعيل; والمجني : المأخوذ طريا ، وكل ما أخذ من ثمرة ، أو نقل من موضعه بطراوته فقد اجتني ، ولذلك قيل : فلان يجتني الكمأة; ومنه قول ابن أخت جذيمة :


هذا جناي وخياره فيه     إذ كل جان يده إلى فيه



التالي السابق


الخدمات العلمية